امتدادا للحديث الذي بدأ في المقال السابق، والتركيز على أحد أكبر معوقات تقدم تنفيذ المشاريع التنموية والتطويرية في أي اقتصاد كان، ممثلا في الضرورة القصوى لمعالجة هذا التضخم المستمر الراهن في الأسعار السوقية للأراضي "العنصر الخامل اقتصاديا"، التي كلما تضخمت أسعارها أدى ذلك إلى زيادة مطردة في التكاليف اللازمة لتأسيس وتدشين وتشييد المشاريع، وإلى زيادة الكثير من قنوات الإنفاق الأخرى ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة، بدءا من زيادة المخصصات المالية والتمويل اللازمين، مرورا بتكاليف الأجور والمصروفات المرتبطة باليد العاملة، وصولا إلى الاضطرار لرفع المخصصات الحكومية المرتبطة ببنود الإعانات والدعم لامتصاص آثار التضخم على العديد من الشرائح المجتمعية، إضافة إلى آثاره في القطاعات الإنتاجية ذات الأهمية بالنسبة للنمو الاقتصادي المستدام.
لو كان الارتفاع الراهن في أسعار الأراضي ناشئ من عوامل اقتصادية أساسية، شأنه شأن بقية الأصول الأخرى الداخلة في العمليات الإنتاجية، لما كان لكل هذا الحديث أي دواع لمناقشته، مع الإشارة إلى أنه حتى تلك الأصول الأخرى تخضع هي لكثير من التقلبات السعرية حسب التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية. إنما وفقا للتجربة المحلية في هذا الخصوص، تأكد أن الأسباب الأكثر تأثيرا في تحديد الأسعار السوقية للأراضي وتضخمها طوال الأعوام الماضية، كانت ناشئة في أغلبيتها من تشوهات هيكلية وممارسات مخالفة (احتكار، مضاربة) بالغة الضرر على الاقتصاد والمجتمع، ولهذا قامت الدولة -أيدها الله- بإقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في المدن والمحافظات، وهو ما نصت عليه الأهداف الثلاثة الرئيسة من إقرار النظام، التي تمثلت في: الهدف الأول: زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب. الهدف الثاني: توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة. الهدف الثالث: حماية المنافسة العادلة ومكافحة الممارسات الاحتكارية.
ومن هنا تتجلى الأهمية التنموية القصوى لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي جاء مستهدفا القضاء على التشوهات من اكتناز واحتكار طويلي الأجل، والقضاء أيضا على الممارسات المضاربية، وهي التشوهات والممارسات التي أفضت مجتمعتين إلى حدوث هذا التضخم الكبير غير المبرر في أسعار الأراضي، ومستهدفا النظام حماية مقدرات الاقتصاد الوطني والمجتمع من الآثار المترتبة من تضخم أسعار الأراضي، بدءا من المحافظة على موارد الدولة، وعلى استقرار الميزانية العامة، وعلى استقرار الأداء الاقتصادي عموما، وعلى استقرار القطاع الخاص تحديدا، بما يمثله من أهمية قصوى كقطاع منتج في الاقتصاد، يعول عليه بدرجة أكبر على مستوى زيادة مساهمته في النمو الاقتصادي وتنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وفي زيادة فرص العمل المجدية أمام عشرات الآلاف سنويا من الموارد البشرية المواطنة، وهي الجوانب التنموية ذات الأهمية القصوى التي لم ولا يمكن للمتاجرين في الأراضي المساهمة بأي منها بأي حال من الأحوال، إضافة إلى أن من أهداف النظام العمل على حماية المستويات المعيشية لأفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين على حد سواء من آثار تضخم أسعار الأراضي، وما يرتبط به من انعكاسات عكسية على تكاليف أسعار وإيجارات المساكن، وعلى حجم القروض العقارية المرتبطة بالأثمان الباهظة لأجل الشراء.
وكما أن إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء وقف خلف هذه الغايات التنموية المهمة جدا، فلا بد أن يتسع ويرتقي مدى تلك الغايات التنموية إلى آلية تنفيذ النظام، التي أظهرت تجربة تنفيذها طوال ستة أعوام مضت منذ تاريخ إقرار العمل بالنظام، أنها تأخرت عن اللحاق بتلك الغايات التنموية، وظهرت آثار ذلك التأخر جلية وواضحة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، حيث سجل المتوسط العام لأسعار الأراضي السكنية ارتفاعا قياسيا وصل إلى نحو 61 في المائة، خلال الفترة من مطلع 2019 حتى نهاية الأسبوع الماضي 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وعلى الرغم من الارتفاع المطرد لأسعار الأراضي وبقية المنتجات العقارية الأخرى طوال تلك الفترة، إلا أن منهجية تنفيذ نظام الرسوم على الأراضي ظلت ثابتة عند خطوتها الأولى دون أي تغيير (المرحلة الأولى من النظام في أربع مدن فقط "الرياض، جدة، الدمام، مكة المكرمة").
تأتي أهمية العمل منذ الآن على معالجة هذا الجانب التنموي، لحماية الاقتصاد الوطني والمجتمع من آثارها العكسية، في الوقت الذي يزمع اقتصادنا ضخ نحو 27 تريليون ريال طوال العقد المقبل، للوصول عن جدارة واستحقاق إلى مستهدفات رؤية المملكة 2030، وبالنظر إلى آثار ما أدى إليه ضخ نحو 321.4 مليار ريال كقروض عقارية ممنوحة للأفراد، خلال كانون الثاني (يناير) 2019 – آب (أغسطس) 2021 من ارتفاعات قياسية في أسعار الأراضي والعقارات السكنية، فكيف سيكون عليه الحال في ضوء ما سيتم إنفاقه خلال العقد المقبل من الموارد المالية (27 تريليون ريال)؟ وما آثار استمرار التضخم الراهن في أسعار الأراضي بمزيد من الارتفاع الذي يفوق معدلات نمو الاقتصاد والدخل على تلك الموارد؟ الذي سيؤدي بالتأكيد إلى ضرورة زيادتها ورفعها لمواجهة انعكاسات تضخمها أكثر مما هي عليه الآن! وهذا بكل تأكيد مما قد يحد من نشاطات القطاعين الحكومي والخاص على حد سواء، وفي الوقت ذاته سيحد من قدرات الدخل بالنسبة لأفراد المجتمع، وهي المكتسبات والمقدرات التي يقتضي حمايتها بكل حزم وجدية، أن يبدأ العمل بصورة متكاملة وعاجلة لأجل هذا الهدف الاستراتيجي والمحوري، فيتم استكمال تنفيذ جميع المراحل التنفيذية للنظام، والعمل بها على نطاق واسع من مدن ومحافظات المملكة، التي تشهد وستشهد -بفضل الله- حراكا تنمويا غير مسبوق في تاريخ المملكة، وأن يتم العمل أيضا على اتخاذ أي إجراءات وتدابير إضافية إذا اقتضى الأمر للحد من تضخم الأراضي، لحماية تقدم مشاريعنا التنموية العملاقة الجاري العمل عليها الآن، وما سيتم منها بمشيئة الله تعالى مستقبلا.
نقلا عن الاقتصادية
يارجال الله يسامحك .. وبس
ماذا لو قامت الامانات والبلديات في كل المدن بتطوير اراضي في اطراف المدن ( اراضي تملكها الدوله ) ..( بمساحة كيلو في كيلو ) ... وايصال جميع الخدمات اليها وبيعها على المواطنين بسعر من 100 الى 150 الف ريال فقط ...ماذا سيحدث لاسعار الاراضي ؟!!
سوف تنتهي ، وسيعيش تجار التراب حقبه زمنيه مريره
من جعل الاراضي ترتفع هو اسناد كل المواطنين اصحاب قروض الصندوق الي البنوك ، والبنوك تستغلهم وبفوائد مرتفعه ،