لا زال الاقتصاد العالمي يواجه معضلة كبيرة في سلاسل التوريد نتيجة لاستمرار الجائحة للعام الثاني على التوالي، إذ تظهر نظرة سريعة على تدفق السلع عالميا أن سعر لحم السلطعون بولاية ميريلاند تضاعف 3 مرات، فيما تتأخر شحنات السيارات الجديدة إلى بوخارست 6 أشهر، بينما تعاني نيروبي نقصاً حاداً في الأدوية، أما المكسيك فتضربها أزمة في صناعة دعامات العنق والركبة، ما يعني بوضوح اضطراباً شديداً في سلاسل التوريد على مستوى العالم.
رغم أن الوضع في كثير من الموانئ يتحسن ببطء فإن هناك مخاوف بشأن احتمالية زيادة الأسعار، في ظل الطبيعة الهشة لسلاسل التوريد، وبسبب التوترات القائمة بين الولايات المتحدة والصين أصبحت هذه السلاسل تشكل قضية حاسمة للنمو العالمي، وإذ كانت موجة الازدحام الأولى في الموانئ قد خفت كثيراً في الوقت الراهن، إلا أن هناك تغييرات كبيرة متوقعة في نماذج الإنتاج وسلاسل التوريد التي سيتم الاعتماد عليها مستقبلاً.
أواخر القرن العشرين تبنت الشركات في الاقتصادات المتقدمة نموذج الإنتاج "في الوقت المناسب" حيث عالج تحدي تكدس البضائع في المستودعات في حال تزايد الطلب فجأة، في المقابل، ألغى نموذج الإنتاج في الوقت المناسب الحاجة إلى قوائم الجرد الكبيرة والموظفين اللازمين لصيانتها، وقد عمل هذا النموذج بشكل جيد خلال العقد الأول من القرن الحالي، لكنه بدأ يفقد جاذبيته عندما زادت تكاليف العمالة في آسيا وأمريكا اللاتينية، بينما أثارت الأزمة المالية العالمية في 2008 العديد من التساؤلات حول قيمة العولمة، كما وضع فيروس كورونا نموذج الإنتاج في الوقت المناسب وسلاسل التوريد تحت ضغط كبير.
منذ عمليات الإغلاق المبكرة، كانت سلاسل التوزيع تحت ضغط كبير، وكان من الصعب الحصول على خدمة التوصيل بسهولة، لكن مع تحسن الأوضاع بفعل خدمات التوصيل إلى المنازل، تعرضت صناعة النقل البحري لصدمة مماثلة، إذ تسبب سلوك المستهلكين الانتقامي ردا على نقص السلع أثناء عمليات الإغلاق، بطفرة كبيرة في الطلب، ولم تتمكن صناعة الشحن من التأقلم سريعا مع هذا الوضع، مما أدى لمضاعفة تكاليف الشحن 4 مرات، وتأخير مواعيد التسليم.
وبالإضافة إلى نقص السلع وارتفاع الطلب، عانت بعض الاقتصادات المهمة أيضاً نقصاً بالعمالة، إذ أجبرت الصدمة الكثيرين على مراجعة خياراتهم المهنية بالبحث عن وظائف جديدة، وقد شكل نظام التجارة العالمي المترابط والذي يتطلب دقة متناهية في مواعيد التصنيع والتسليم جزءاً من المشكلة، إذ أصبحت أي ثغرة صغيرة تسبب أزمات حادة، فعندما تكون هناك عقبة أمام تدفق رقائق الحاسوب من شرق آسيا بالمستويات العادية، تُغلق مصانع بأكملها بأمريكا الشمالية.
طبقاً للتعاملات المعتادة يتم ملء أرفف المحلات بالبضائع لاستخدامها في عمليات البيع اليومي، لكن الحقيقة هي أن الطلب يرتفع وينخفض على بضائع محددة بشكل مستمر، وفي ظل نقص عدد سائقي الشاحنات، أصبحت المحلات في كثير من الدول عاجزة عن الحفاظ على الأرفف ممتلئة، ويعد هاتف آيفون أبرز مثال على مدى تأثير تعطل سلاسل التوريد، إذ يحتوي على مكونات من 43 دولة، وفي ظل عقبات التوريد، تضطر شركة "آبل" بصنع المزيد من المكونات بالولايات المتحدة، مما يؤشر على انعطافه أكبر باتجاه اقتصاد الأقلمة والابتعاد عن العولمة.
خاص-الفابيتا