نجحت الصين في الاستفادة من تراجع النفوذ الغربي في أفريقيا، فوسعت شبكات مصالحها في القارة السمراء عبر تقديم قروض، وإبرام صفقات تجارية، واتفاقيات عسكرية ليست مُقيَّدة بشروط، وقد أدى عجز أفريقيا التجاري مع العملاق الآسيوي والبالغ 17 مليار دولار إلى تحويل اعتماد الدول الأفريقية من شركائها الاستعماريين السابقين إلى بكين، والأكثر من ذلك، أن الصين أصبحت الآن المستفيد الأكبر من اتفاق التجارة الحرة الوليد في القارة.
على مدى سنوات طوال تمكنت الصين من وضع قدم راسخة في جميع أنحاء القارة الأفريقية، فعندما تعهدت بتقديم استثمارات بقيمة 40 مليار دولار إلى نيجيريا، خفَّضت الحكومة النيجيرية وَضْعَ تايوان الدبلوماسي، وأصدرت أوامر بخروج بعثة العاصمة التايوانية تايبيه التجارية من نظيرتها النيجيرية أبوجا، ويمكن ملاحظة النفوذ الصيني الهائل خلال يونيو 2020، وذلك حينما دعمت 25 دولة أفريقية عضو في الأمم المتحدة بكين أثناء التصويت على قانون الأمن القومي في هونج كونج.
ليس غريباً أن تسيطر الشركات الصينية على مشروعات تطوير النقل والبنية التحتية في القارة، إذ فازت في عام 2017 بإبرام نحو 50% من العقود الهندسية وعقود المشتريات والإنشاءات في القارة السمراء، وبهذا يشكل التمويل الصيني ربع ميزانية تطوير البنية التحتية في أفريقيا، والتي تبلغ قيمتها أكثر من 100 مليار دولار، ويمكن القول بأن وجود الصين في أفريقيا وجود استراتيجي، ففي مقابل استثماراتها واتفاقاتها غير المقيَّدة بشروط، تمد بكين جسور علاقاتها مع حلفاء جدد وتوسع نفوذها العالمي في مواجهة غريمتها الولايات المتحدة.
تقدم الصين نفسها باعتبارها قوة دافعة لتسريع وتيرة النمو الأفريقي من خلال البنية التحتية، لا سيما في الأماكن التي تواجه مشكلات في القُدُرات المحلية، وهذا الأمر يشكل عامل جذب في قارة غاب عنها بزوغ شمس ثورة صناعية؛ ما جعلها تعتمد على التجارة الدولية من أجل الحصول على غالبية بضائعها الجاهزة، وفي الوقت الحالي تنقل البلدان الأفريقية الموارد الطبيعية والمواد الخام والسلع الأولية إلى الصين بغية تجهيزها، ثم يعاد استيرادها مرةً أخرى بعد أن تصير منتجات تامة الصنع.
منذ عام 2000، سلك ميزان أفريقيا التجاري مع الصين اتجاهًا تنازليًّا؛ ما يعني أن واردات القارة تتجاوز صادراتها، ومن المُتوقَّع أن يستمر ذلك الاتجاه في المستقبل، ففي عام 2019، تجاوز عجز أفريقيا التجاري مع الصين 17 مليار دولار، ونظرًا لانجذاب بكين إلى المواد الخام واليد العاملة الأرخص في القارة؛ فقد كثفت بناء المصانع وتوسيع نطاق الإنتاج هناك، لكن من المرجح أن تعود بعض عمليات التكرير والمعالجة التي عادةً ما تجرى في الصين، إلى أفريقيا في السنوات المقبلة، ولا شك أن هذا الإجراء سيكون تحولًا إيجابيًّا للبلدان الأفريقية، ومع ذلك، هناك مخاوف على المدى الطويل تتمثَّل في أن هذه المكاسب لن تساعد في خَلْق الوظائف الجديدة المرجوة.
في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي تعاني منها البلدان الأفريقية، لا تملُك الشركات الأفريقية القدرة على الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة، إذ لا تزال شركات التصنيع المملوكة للصين تهيمن على قطاع التصنيع في القارة، وبالتالي هي من يستفيد من الاتفاق التجاري الجديد، وبالرغم من الإشارات التحذيرية، لا تزال عِدَّة بلدان تعتبر الصين شريكًا مرغوبًا فيه، حيث توفر بكين البنية التحتية الحيوية اللازمة للتوسُّع الحضري، وتمكين التجارة، وبالتزامن مع تدهور الظروف الاقتصادية في القارة، تهتم الشركات الصينية بإنشاء مصانع جديدة يوميًّا في أفريقيا، في المقابل، تأمل بريطانيا في دخول السوق الأفريقية مرةً أخرى بوصفها شريكًا تجاريًّا لتستفيد من منطقة التجارة الحُرَّة، بيد أنَّ لندن لا يمكنها منافسة الإنفاق الضخم لبكين في القارة، لا سيما في قطاع التكنولوجيا الذي تتطلع إليه.
خاص_الفابيتا