أعلنت هيئة السوق المالية نهاية الأسبوع الماضي قرارها بإحالة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة وأعضاء لجنة المراجعة والمدير المالي لإحدى الشركات المدرجة في السوق المالية عن فترات سابقة إلى النيابة العامة، للاشتباه في قيامهم بأعمال أدت إلى إيجاد انطباع غير صحيح ومضلل في شأن قيمة الورقة المالية للشركة السعودية لصناعة الورق، كما جاء في الإعلان أن ذلك يتعلق بما تحفظ عليها المراجع في القوائم المالية الربعية للشركة للفترة المنتهية في 30 حزيران (يونيو) 2019، وهو التحفظ المتعلق بملاءمة المعالجة المحاسبية التي اتبعتها الشركة والمعتمدة من قبل المحاسب القانوني في عملية بيع وإعادة شراء الأراضي التي تمت خلال الأعوام من عام 2012 إلى عام 2016، ونتج عن ذلك التحفظ قيام مجلس إدارة الشركة بتصحيح المعالجة المحاسبية التي تمت سابقا وتعديل قيمة الأراضي المستردة وتخفيض قيمتها إلى ما كانت عليه في سجلات الشركة قبل عملية البيع التي تمت عام 2012.
هذه حالة دراسية نادرة ومهمة للدارسين، لهذا فضلت سردها في هذا المقال، فهي تستحق بعض العناية لفهم أبعادها، ففي تقرير عام 2012 مع نهاية الربع الرابع، وتحديدا في 31/ 12/ 2012، أعلنت الشركة في موقع تداول بيع أراض تملكها الشركة في مدينتي جدة والرياض إلى طرف ثالث غير ذي علاقة، بقيمة إجمالية قدرها 168 مليون ريال، بتقريب الكسور، وتضمن العقد أن يقوم المشتري بسداد إجمالي المبلغ على أربع دفعات، تستحق الدفعة الأولى منها عند توقيع العقد بمبلغ 21 مليون ريال، ثم دفعات متساوية القيمة تنتهي في 2016 بمبلغ 49.3 مليون ريال، وكما هي العادة أردفت هيئة السوق المالية وشركة السوق المالية السعودية "تداول"، لفت الانتباه بأنها لا تتحمل أي مسؤولية عن محتويات هذا الإفصاح. في تقرير مجلس الإدارة عن ذلك العام جاء فيه تعليق على انخفاض مبيعات العمليات نتيجة انخفاض كبير في الأسعار، كما جاء فيه أن الشركة خلال الربع الأخير من عام 2012 قامت بعمل مخصصات انخفاض في قيمة ذمم مدينة ومخزون بضاعة واستثمارات تم تقديرها بـ28 مليون ريال تقريبا، وقد تمكنت الشركة من تخفيف أثر المخصصات أعلاه على نتائج الشركة ببيع أراض في الرياض وجدة، نتج عنها أرباح رأسمالية متحققة قدرها 115 مليون ريال، وأرباح مؤجلة قدرها 25 مليون ريال، وتم إثبات المديونية بقيمة 126 مليونا. والمعنى واضح، تم البيع من أجل تحسين صورة القوائم المالية، ذلك أن العملية برمتها لم تنتج حتى الآن سوى 21 مليونا لأراض قيمتها 28 مليونا، والباقي بالآجل، لكن الاعتراف بالأرباح حقق المطلوب من تجنب الإفصاح عن خسائر.
لكن، لنقف ونتأمل الأرقام. تم بيع أراض بقيمة 168 مليونا، منها 21 مليونا نقدا و148 مليونا بالآجل مقابل رهن الأراضي نفسها. قيمة الأراضي في الدفاتر بلغت 28 مليونا تقريبا، وبذلك حققت الشركة أرباحا رأسمالية قدرها 140 مليونا، واعترفت بها الشركة على النحو الآتي: 115 أرباح متحققة، 25 مؤجلة كما وصفتها الشركة. لكن الذمم المدنية عن بيع الأراضي لم تظهر إلا بـ126 مليونا في ذلك العام، فلماذا لم تظهر بقيمة 148 المؤجلة؟ ولماذا لم يتم إيضاح آليات معالجة 25 المؤجلة؟ ولماذا لم تظهر ضمن الأرباح بأي صورة؟ فعمليات الإثبات تعترف بمديونية للشركة بمبلغ 126 فقط، حتى الإيرادات النقدية عن بيع الأراضي التي بلغت 21 مليون ريال لم يتم الإفصاح عنها بشكل جيد في القوائم المالية. وهكذا، فإن المبلغ الإجمالي المعترف به هو فقط 126، وتم إثبات 115، وليس 168 المعلنة في الإعلان الذي نشرته الشركة بنهاية عام 2012. وكي يصبح الأمر لغزا فعلا، فإن الشركة في قائمة الدخل اعترفت بأرباح رأسمالية قدرها 115. نعم، هكذا أرباح رأسمالية، وبذلك اختفى مبلغ قدره عشرة ملايين تقريبا، من الدفاتر، كما اختفى مبلغ 21 مليونا المدفوع نقدا. فمن الواضح جدا أن المعالجة المحاسبية لعمليات البيع قد تضمنت أخطاء جوهرية كبيرة، وسؤالي: أين كان المراجع في ذلك الوقت؟ وكيف سمح بذلك؟ والموضوع جوهري جدا، وهناك إعلانات للسوق المالية بخصوصه.
كي يزداد الأمر غرابة واللغز صعوبة، فقد كانت شروط البيع تتضمن أن تكون الدفعة الأولى في بداية عام 2014، لكن في نهاية العام تطلعنا الشركة في القوائم المالية بهذا الإيضاح. انخفضت الذمم المدينة عن بيع الأراضي لمبلغ 65 مليونا، لأن الشركة أعادت شراء بعض هذه الأراضي بمبلغ 66 مليونا، وبالطبع لم تدفع شيئا لأنها قد اشترطت ضمن علميات البيع ضمان حق إعادة الشراء، وقامت الآن بتنفيذه، مقابل تخفيض الدين وإعادة جدولة المتبقي. قد تلاحظ عزيزي القارئ أن كامل الأراضي عام 2012 كانت مسجلة بقيمة 28 مليونا، وعند إعادة شراء بعضها بقيمة 66 مليونا مقابل تخفيض قيمة الدين، فإن ما حصل فعليا هو إعادة تقييم الأراضي. لكن مع نهاية عام 2016، انخفضت قيمة الدين إلى 17 مليونا دون إيضاحات كافية. لكي يصبح اللغز أكثر تعقيدا وأتوقع أن المشترى قام بسداد جزء من الأقساط المتبقية، وهذا يجعل علمية البيع حقيقية وليست صورية من أجل تقييم الأراضي. فما القصة فعلا؟
في عام 2018 ورد التحفظ التالي للمراجع الخارجي، وليس في عام 2019 كما ذكرت هيئة السوق المالية في الإعلان: خلال أعمال المراجعة التي قمنا بها، فقد تم "لفت انتباهنا من قبل المكلفين بالحوكمة فيما يتعلق بصحة المعالجة المحاسبية"، التي اتبعتها الشركة في معاملة بيع وإعادة شراء الأراضي التي تمت خلال الأعوام من 2012 حتى 2016. ولم نتمكن من تقييم القيمة الدفترية للأراضي المدرجة في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2018، وإذا لم يكتشف المراجع شيئا خلال أعماله فقط، جاء تنبيه من المكلفين بالحكومة، وأظنهم لجنة المراجعة وللمختصين، فإن عامي 2017 و2018 كانا عامي التحول للمعايير الدولية، ولأن كل الشركات قامت بتقييم أثر المعايير في كل الحسابات، فقد ظهرت المشكلة القديمة التي اختبأت في الدفاتر منذ عام 2012 ولم يكتشفها أي مراجع على وجه الحقيقة، فهل كانت المراجعة ذات جدوى؟
نقلا عن الاقتصادية
وشراء صكوك بمليارات عن طريق بنك في دولة شقيقة تابع لأحد مؤسسي شركة عقارية وادخالها في القوائم المالية كديون بدون مردود على الشركة ومساهميها ما لفت إنتباه هيئة سوق المال؟
ليس هناك حل للتلاعب بالقوائم والنتائج سوى انشاء شركه محاسبه لديها خبراء محاسبون قانونيون تتبع هيئة الفساد ( تكون محايده ) تقوم بمراجعة القوائم الماليه للشركات المدرجه في السوق السعودي مقابل ( اجور معقوله ليست ربحيه ) للتأكد من سلامتها وصحتها حفاظا على اموال الناس التي استودعوها الشركات ( وبعض من لايخافون الله عبثوا بها ) ... اما مايتم حاليا من ان كل شركه تختار المحاسب القانوني الذي تريد وهي من يدفع اتعابه فهذا يفتقد ( للحياديه والنزاهه ) ...يقول الشوام في امثالهم ( طعمي الفم تستحي العين ) !! .... والله الموفق والمعين ...