أركان تعليم النزاهة

01/08/2021 0
د. محمد آل عباس

عرفت قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة، مفهوم النزاهة، بأنه السلوك الشخصي المتسم بالموضوعية والحياد والعدالة والبعد عن الشبهات، والالتزام بالأمانة، وعدم إساءة استخدام السلطة أو المنصب الوظيفي لتحقيق منفعة شخصية. وفي القاموس، فإنها تعني الأمانة، والصدق، والبعد عن الشبهات. وتعني أيضا التقيد بالواجب.

وفي المادة (44) من لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية، وردت النزاهة في موضوع تجنب تعارض المصالح كإحدى واجبات عضو مجلس الإدارة، وعليه أن يمارسة مهامه بأمانة ونزاهة، وأن يقدم مصالح الشركة على مصلحته الشخصية، وألا يستغل منصبه لتحقيق مصالح خاصة. هكذا تظهر النزاهة كحالة ذهنية وقيمة أخلاقية قد لا يدركها سوى الشخص نفسه. لا تعرف النزاهة بأنها عكس الفساد، وليست ضد خيانة الأمانة، بل إن حدوث مثل هذه الجرائم يقدم دلائل على عدم وجود النزاهة مسبقا، فالنزاهة حالة خاصة تسبق كل الحالات، وإذا نزعت من الشخص، فإن حدوث الفساد وخيانة الأمانة يصبح مرهونا بالوقت، ومرهونا بالدافع ووجود الفرصة، لذلك قد يخلو الإنسان من النزاهة كقيمة ذاتية، لكنه مع ذلك لم يرتكب الفساد ولم يخن الأمانة، ذلك أنه لم يجد الفرصة مثلا، أو لم يكن لديه دافع، كأن تكون العقوبات أكبر من نتيجة الفساد، وفي حال غياب الرقابة أو في حال تراخت العقوبات، فإنه لن يتورع في ارتكاب الفساد.

فالنزاهة حالة سلوكية في كل وقت، وقيمة ذاتية في كل حين، حتى لو كانت الفرصة موجودة والدافع كبيرا والعقوبة غير رادعة، ومع ذلك فإن النزاهة بحد ذاتها كافية لحماية الإنسان وإنسانيته. وبالطبع، فإن الوصول إلى هذه الحالة يحتاج إلى وعي إنساني عام، وإلى تربية وتعليم مستمر وقدوة عملية، ولهذا فإن تعليم النزاهة أمر مهم بذاته.

وتهتم منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بموضوع النزاهة العامة، وتضعها ضمن قواعد الحوكمة في القطاع العام، وهي ترى أن بناء ثقافة النزاهة في المجتمع يبدأ بالضرورة من التعليم. وفكرة تعليم قيم النزاهة، فكرة مقبولة تماما، واليوم هناك اتجاه عالمي متزايد من أجل استخدام المدرسة لتعليم الشباب أدوار ومسؤوليات النزاهة العامة، لكن إدخالها في النظام الدراسي أمر يفتقد إلى تجارب عالمية واسعة، حتى الآن، وهناك القليل من الأبحاث حول تأثير التعليم في النزاهة العامة، لكن هناك أيضا أدلة كافية أن برامج التعليم تشكل القيم الشخصية للطالب، حتى القيم المدنية.

وهناك تجارب محلية ودولية واسعة بشأن تأثر مواد التربية الوطنية. وإذا كان التعليم عموما يرتكز على ثلاثة أركان، فإن الركن الأهم في دعم ثقافة النزاهة اليوم هو المنهج الدراسي، فالمناهج تعمل كناقل للقيم، ولذلك أوصت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بعدد من التوصيات بهذا الشأن، شملت ضرورة تقديم مقرر دراسي محدد حول النزاهة العامة، يشتمل على تعلم النزاهة العامة، ويأتي في وحدات مناسبة للعمر في المدارس الابتدائية والثانوية، وأوصت كذلك بإعادة كتابة المناهج الحالية بدمج مخرجات تعلم عن النزاهة العامة، وتطوير مواد للمعلمين والطلاب عن تعلمها. ومن التوصيات، أن تقوم الهيئة العامة للرقابة ومكافحة الفساد "نزاهة" بتقديم تدريب مخصص لطلاب المدارس.

والركن الثاني من أركان التعليم هو، المعلم نفسه. وفي هذا الجانب، فإن المعلمين بحاجة إلى المهارات والمعرفة الكافية. لذلك، أوصت منظمة التعاون الاقتصادي بأن يكون تدريب المعلمين مكونا أساسيا في أي برنامج للتثقيف حول النزاهة، ولا بد من حصولهم على التعليم المستمر، ذلك أن قضايا الفساد تتنوع، والأخطر عندما تصبح ظاهر اجتماعية عامة وسلوكا له ما يبرره، كالظروف الاقتصادية، فحصول المعلمين على الدورات المتفرقة، وكذلك التدريب على رأس العمل، إضافة إلى الندوات التي تقيمها الجمعيات والجهات الفاعلة في المجتمع المدني. كما يجب مساعدة المعلمين على فهم، والإجابة عن الأسئلة الأخلاقية الصعبة في الفصل الدراسي، وتشجع المعلمين على توسيع معرفتهم وخبراتهم لإتقان استخدام المنهجيات التفاعلية، وتنمية مهارات التفكير النقدي.

لا شك أن وزارة التعليم تولي أهمية قصوى لتعزيز النزاهة عن طريق برامج تعزيز قيم المواطنة الصالحة وتأصيل الممارسات الإيجابية ودعم مواهب وإنجازات الطلاب نحو العمل بقيم الشفافية، وقد تقرر إدراج مواد عن التفكر النقدي، الذي مكن من خلالها تعزيز مفاهيم النزاهة في التفكير والتقييم، لكن مع ذلك فإننا بحاجة إلى تطبيق توصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بهذا الخصوص. فكما أشرت، النزاهة قيمة يتم تطويرها في الإنسان ورقابة ذاتية، وهي كشجرة طيبة في نفس الإنسان، إذا تم تغذيتها في الوقت الصحيح نمت وترعرعت وأثمرت خيرا للوطن، وإذا تكررت دونما رعاية، فإنها تذبل، ويكون الإنسان تحت رحمة الظروف والفرص.

 

نقلاعن الاقتصلدية