فوران التضخم.. مؤقت أم دائم؟

25/07/2021 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

رغم انتعاش مستويات الطلب والاستهلاك العالمي بفعل قرب انتهاء الأزمة الصحية، إلا أن بلوغ التضخم ذروته، يثير تساءلاً حول ما إذا كانت هذه الظاهرة مؤقتة أم دائمة؟، ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ارتفعت الأسعار في مايو 5% على أساس سنوي، حيث دفع انتعاش أكبر اقتصاد عالمي بعد الوباء بمعدلات التضخم، تاركاً وراءه سنوات طويلة تميزت بتدني الأسعار.

هناك عاملان أساسيان يفسران ارتفاع مستويات التضخم، أولاً هناك الكثير من الأموال المتداولة، ففي عام 2020، واجه العالم أكبر أزمة اقتصادية بعد الحرب العالمية، ولكننا شهدنا أيضا رد الفعل النقدي الأكثر طموحاً من جانب البنوك المركزية، حيث قام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بضخ سيولة في الأسواق بعد 3 أسابيع فقط من بداية الأزمة الصحية، بأكثر مما قام بضخه عام 2009 بأكمله، بعد أزمة الرهن العقاري، بالإضافة إلى حوافز مالية غير مسبوقة وخطط كبيرة للإنعاش سواء بالولايات المتحدة أو أوروبا، وكل هذه الحوافز تمثل دفعة هائلة للاقتصاد العالمي.

ثانياً، ومع التقدم السريع لحملة التطعيم بالولايات المتحدة، بدأ الاقتصاد يتعافى بسرعة وقوة، ويتزايد طلب المستهلكين، فيما تكافح الشركات لإنتاج كميات كافية لتلبية احتياجات السوق، وهذا الأمر ولد اختناقاً اقتصادياً في ظل تدني المخزونات بعد أشهر الإغلاق، ونتيجة لذلك، حققت طلبات المواد الخام والسلع الوسيطة قفزة نوعية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وهي ظاهرة مرشحة للاستمرار بضعة أشهر أخرى، لأن الشركات ستزيد من إنتاجها ومخزونها مؤقتاً بما يتجاوز احتياجاتها الحقيقية، مما يعني تماسك مستوى التضخم.

وبالعودة للسؤال: هل التضخم الحالي المرتفع مؤقت أم دائم؟.. يرجح بعض الخبراء، وهو توجه تغذيه بيانات الاحتياطي الفيدرالي، أن يكون الأمر ظرفياً، مع توقعات بانكماش تدريجي مع حلول سبتمبر، ثم العودة لمستويات قياسية بحلول 2022، في المقابل، تتوقع بعض بيوت الخبرة استمرار التضخم لفترات أطول، وبرأي هؤلاء فإن الاقتصاد قد يواجه تضخماً هيكلياً حاداً.

الواقع، أن تفويضات البنوك المركزية تتحول الآن بشكل تدريجي من السيطرة على التضخم، إلى حالة أسميها "تطبيع السياسة النقدية الاستثنائية"، بالإضافة إلى ذلك، فإن التعايش بين السياسة النقدية وتداعيات الجائحة تخلف أرضاً خصبة للتضخم، وعلينا أن نرصد آثار زيادة تكاليف العمالة والأجور، والتي ستولد تضخماً أكثر استدامة، علماً بأنه حتى الآن، لم تتم استعادة ثلث الوظائف المفُقودة بسبب الجائحة.

في أوروبا، يبدو الواقع مختلفاً عن الولايات المتحدة، إذ مازالت مؤشرات الانتعاش الأوروبي مضطربة بسبب تعثر حملات التطعيم، فالناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي لم يعد إلى مستواه الذي كان عليه قبل الأزمة، مما يعني أن مخاطر التضخم قد تكون أقل، في المقابل، يظل إطار استخدام مليارات الأزمة بأوروبا والولايات المتحدة مجهولاً، ففي معظم الحالات، لم يتم استثمار هذه الأموال بالسندات المجمدة، وإذا تم إنفاقها بشكل جيد، فقد يساعد ذلك في تغذية ارتفاع مستويات التضخم في القارة العجوز. 

 

خاص_الفابيتا