أي مستقبل ينتظر اقتصاد البيانات؟

03/06/2021 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

كشفت تحديات جائحة كورونا أهمية الاقتصاد الرقمي المزدهر في تحقيق أهداف النمو للحكومات المختلفة، حيث من المتوقع أن تواصل طفرة سوق البيانات الضخمة صعودها من نحو 70.5 مليار دولار في 2020 إلى حوالي 243 مليار دولار بحلول 2027، فالقطاع الذي يشكل 10% من الناتج المحلي الإجمالي لبعض الاقتصادات المتقدمة سيولد بكل تأكيد فرصاً وأسواقاً جديدة، ونماذج أعمال مبتكرة باستخدام خوارزميات البرمجة وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

صنعت البيانات الضخمة إمبراطورية عملاقة التكنولوجيا في العالم مثل "أمازون" و"فيسبوك" و"جوجل" و"نتفلكس"، فقد أتاحت طريقتها في دمج البيانات عن التركيبة السكانية وتاريخ المشتريات والتفاعلات وأنماط التسوق، في تطوير طلبيات العملاء وتشكيل نماذج السوق وتقديم منتجات وخدمات متخصصة جدًا، وأحياناً ذات طابع شخصي، وهذا يعني أن للبيانات أثراً مضاعفاً، مما زاد من إيرادات هذه الشركات، وخلق مصادر دخل جديدة، فكانت بكل تأكيد الرابح الأكبر في زمن كورونا.

لا شك أن المؤسسات التي تركز على البيانات تحقق عوائد أعلى من مثيلتها، فالبيانات هي عين الشركات وأذنيها للتأكد من جودة عملياتها، واتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ، وتحقيق نتائج أعمال مرضية، وتكمن فوائد الاستنتاجات المبنية على البيانات في تحقيق الشفافية بعيداً عن أي تحيز أو أكاذيب، إذ تعنى فقط بتقديم الحقائق خصوصاً إذا كانت البيانات موثوقة، فدقة البيانات هي العمود الفقري للذكاء الاصطناعي، ولهذا، فإن إدارة البيانات الضخمة بشكل فعال كان ضمن مفاتيح "أمازون" لبناء نموذج غير قواعد اللعبة في التجارة الإلكترونية، وشكل سر نظام سلسلة التوريد في مخازن DHL، كما يعد ضمن استراتيجية شركة GE للتنبؤ بالصيانة الاستباقية لمعداتها.

ولتقريب الفكرة، سنضرب مثلاً بالبيانات في قطاع الأدوية بالغ الأهمية في زمن كورونا، حيث تحمل كل وصفة طبية بيانات عن حالة المرضى والمخزون، وهي معلومات تؤثر عند تجميعها وتقييمها بدقة في النتائج السريرية والتشغيلية والمالية لأي مستشفى، وتكشف أوجه القصور في سلسلة التوريد والمخاطر والفجوات المحتملة، وتشخيص جودة أداء العمليات، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن تعديل دواء واحد قد يقلل التكاليف بشكل كبير، ويحسن نتائج الرعاية الصحية، وإذا كان الحمض النووي DNA يحل ملف قضية معقدة، فإن البيانات قادرة على اكتشاف المشاكل التي ربما تقتل العمل، وتقدم الفرص التي تحسن العمليات التشغيلية وترفع الأرباح في البيانات الصيدلانية، تعد الأدوية من أعلى بنود الميزانية في الأنظمة الصحية، إذ تمثل أكثر من 10٪ من إجمالي الإنفاق على الرعاية الصحية، لذلك ، من المنطقي أن تراهن المستشفيات على إدارة مخزون الأدوية في تقليل التكاليف وتحرير ميزانياتها لاستثمارها في تحسين العمل وتطوير الموظفين، حيث تتمتع البيانات بالقدرة على اكتشاف حالات فشل إدارة المخزون، مثل النقص والهدر والأدوية منتهية الصلاحية، كما تساعد الصيدليات على اتخاذ قرارات شراء أفضل، وتقلل مخاطر إساءة استخدام العقاقير.

تاريخياً، لم يكن لدى المستشفيات أي فكرة عن كيفية أداء عمليات الصيدليات الخاصة بها لصعوبة قياسها، إلا أن التحول إلى العالم الرقمي والأتمتة أدى الى زيادة الطلب من المستشفيات على استخدام أنظمة بيانات موحدة ومجمعة لقياس اتجاهات استخدام الأدوية والتنبؤ بالنتائج، وإذا كان الكثير من قصص البيانات تضيع في لوحات المعلومات والمخططات، فإن الأمر لا يقتصر على تجميع البيانات فقط، بل يجب تفسيرها بدقة، والتفسير لا يعني الاكتفاء بالأرقام أو الرسوم البيانية فقط، وإنما يعني وجود قصص يسهل فهمها وربطها بالعمل ومن ثم تحسينه، إلا أنه يلاحظ وجود بعض التحديات التي تعرقل تطبيق أنظمة البيانات في الشركات والجهات المختلفة، وأبرزها انتشار سيل من البيانات غير النظيفة، بالإضافة إلى صعوبة الوصول للبيانات، وقلة المتخصصين والخبراء في المجال، وعدم تطبيق النتائج في الواقع العملي، فضلاً عن صعوبة شرح علم البيانات للآخرين، وانتهاك الخصوصية. 

 

خاص_الفابيتا