لم يعد سراً خشية أميركا من تفوق الصين اقتصادياً عليها لتزيحها من المركز الأول الذي حافظت عليه ومازالت منذ عقود طويلة وقد استخدمت عدة طرق لكبح نمو الصين ومنها الحرب التجارية التي بدأت منذ ستة أعوام تقريباً بشكل موسع حيث كان الهدف رفع تكلفة المنتج الصيني في السوق الأمريكي وكذلك لإجبار الأخيرة على زيادة وارداتها من السلع والخدمات الأمريكية وذلك لتقليص حجم العجز التجاري الذي يخدم الصين منذ سنوات طويلة وبفارق قارب الـ 400 مليار دولار سنوياً، لكن هذه الحرب والتي لها تأثير عالمي أيضاً لأن الدولتين تهيمنان على حوالي 40 بالمائة من الاقتصاد العالمي بدلاً من تخفيف حدتها مع قدوم الديمقراطيين للبيت الأبيض قبل ثلاثة أعوام ازدادت حدتها وانتقلت لمرحلة جديدة تتعلق بالذكاء الاصطناعي الذي يعد هو قائد قاطرة النمو الاقتصادي العالمي مستقبلاً فقد أصبح هو التوجه لأغلب الدول في استخداماته ومنافعه بكافة الأنشطة والمجالات.
فقد أعلنت أميركا أنها منعت تصدير الرقائق الإلكترونية التي تخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الصين والعديد من الدول أيضاً وأبلغت شركات عملاقة رائدة بهذا المجال مثل انفيديا بوقف تصدير رقائق «إتش100» المتقدمة للصين ولغيرها من الدول لاحقاً وبالرغم من أن قرارات منع التصدير تضر بسمعة الشركات الأمريكية في السوق الدولية وتكبدها خسائر لكن ذلك لم يغير من وجهة نظر الحكومة الامريكية معتبرة أن ذلك أمناً قومياً فهذا القرار هو أيضاً لمنع الصين من استخدام هذه الرقائق في الصناعات العسكرية التي أصبح الذكاء الاصطناعي لاعباً رئيسياً فيها, فرغم أن حجم هذا القطاع الجديد قدر قبل نحو عامين بحوالي 70 مليار دولار لكن يتوقع أن يصل إلى أكثر من 13 تريليون دولار من حجم الناتج الإجمالي العالمي في 2030 وهو ما يشير إلى التوسع الهائل في استخداماته وتوجه ضخ الاستثمارات فيه.
فإذا تمكنت دول مثل الصين والعديد من الاقتصادات الناشئة من التحول السريع للاقتصاد الرقمي وزيادة الإنتاجية باستخدام الذكاء الاصطناعي فهذا يعني تفوقها اقتصادياً على الغرب وأميركا تحديداً وكذلك القضاء على شركات غربية بنسب كبيرة حيث إن هذه الدول الصاعدة لن تبقى رهينة تكنولوجيا الغرب بل ستعمل على الاستقلال التقني عنها وستمتلك صناعات عديدة تخدم الذكاء الاصطناعي كالرقائق الإلكترونية بالإضافة للبرامج والتطبيقات مما سيؤدي لتطور هائل لديها بكافة المجالات الطبية والهندسية والخدمية وغيرها وهو ما يعني ابتكار حلول ستضاعف من حجم اقتصادياتها لكن الجانب المهم أيضاً يتعلق بالشق العسكري فالصين وغيرها من الدول الصاعدة تسعى لأن تصبح دولاً تصنع أسلحتها بنفسها وكذلك بتفنيات حديثة لتدافع عن مصالحها وأوطانها وتدخل أيضاً في تصدير التقنيات العسكرية وهو ما يمثل تهديداً سيلغي فارق القوة العسكرية الغربي عن تلك الدول ومع انخفاض تكلفة الإنتاج لديها سيكون سلاحها وتقنياتها العسكرية مطلوبة بشكل أكبر وهو أيضاً تهديد لصناعة السلاح في الغرب إضافة لاضعاف قدرتهم أيضاً في أن يكونوا شرطي العالم.
الذكاء الاصطناعي ينتشر استخدامه في العالم بنسب عالية لكن تقنياته وأهم مصنعي برامجه وما يخدم الآلات التي تستخدم فيه مازالت أسرار صناعاتها لدى الغرب وأميركا تحديداً لكن ذلك لن يدوم إلا أنهم فقط يحاولون تأخير وصول الدول الصاعدة لأن تصبح استخداماتها للذكاء الاصطناعي بتقنيات مستقلة عنهم أمراً بعيداً زمنياً كي يبقى فارق التفوق للغرب حتى ينتقلوا بعدها لمواحل تكنولوجية أكثر تقدماً وهو ما سيبقي على هيمنتهم الدولية فالأمر بات بالنسبة لهم شراء وقت لأسباب استراتيجية ذات بعد وجودي.
نقلا عن الجزيرة