مأزق الهند.. والاختبار الاقتصادي الأصعب

04/05/2021 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

"احفر البئر قبل أن تشعر بالعطش".. حكمة صينية قديمة تجاهلتها الإدارة الهندية فغدت البلاد بين عشية وضحاها بؤرة للوباء القاتل، وسط تنامي التوقعات بسقوط خامس أكبر اقتصاد عالمي في براثن الركود، ليس بخارج منه إلا أن يشاء الله، بينما باتت سلاسل التوريدات الطبية القادمة من "صيدلية العالم" تحت التهديد، فيما تثور الشكوك أكثر حول قدرة معهد "سيرم أوف إنديا" الشهير على الوفاء بخطط مشروع "كوفاكس" العالمي لتطعيم مليارات البشر من خارج القارة الهندية، إذ تتفاقم المخاوف الآن من عجز نيودلهي عن مواصلة تصدير اللقاحات، عبر إعادة توجيهها للداخل الموبوء.

في الماضي، شهدت شبه القارة الهندية الكثير من الأوبئة التي أهلكت الملايين من سكانها، بداية من الطاعون، والكوليرا، والجدري، إلى شلل الأطفال، والتيفويد، وغيرها من الفيروسات القاتلة، وزاد من سوء الأوضاع الاكتظاظ السكاني الهائل لديها، وظروفها الاقتصادية المتداعية؛ ما جعلها هدفا سائغا للأوبئة، ولم يكن بروز الدولة الآسيوية العملاقة في تصنيع اللقاحات وليد الجائحة، فحتى قبل الوباء كانت الهند تنتج 60% من لقاحات العالم، وتُورّد حوالي 80% من مشتريات الأمم المتحدة السنوية من اللقاحات؛ ما جعلها تستحق بجدارة لقب «صيدلية العالم»؛ إذ تمتلك نحو 334 شركة لإنتاج اللقاحات، بحجم مبيعات سنوياً يتخطى 50 مليون يورو، وقد استطاعت الهند على مدار عقود استكمال بنية تحتية مهمة لإنتاج اللقاحات وتوزيعها، اكتسب على إثرها صانعو اللقاحات الهنود سمعة طيبة بفضل السعر المنخفض والفعالية على حد سواء.

بلا شك فإن الاقتصاد الهندي في قلب المعركة، ويبدو أن آثار تسونامي كورونا عليه ستكون مدمرة وعنيفة، وقد يستمر تأثيرها السلبي لعدة سنوات، وآخر البيانات الرسمية تظهر هذا الأثر، حيث ارتفع العجز التجاري للبلاد إلى 15.24 مليار دولار في أبريل، بعدما خضعت الأنشطة الاقتصادية إلى إغلاق وطني صارم جفف منابع التدفقات المالية، فكل يوم يمر من أيام الإغلاق يُكبّد البلاد خسائر مالية تقارب 4.5 مليار دولار، في الوقت نفسه تراجعت ثقة المستهلكين بالوضع الاقتصادي الراهن، مما يقلل رغبتهم في الإنفاق، هو ما يمثل مشكلة بالنسبة للاقتصاد الهندي الذي يعتمد نموه بدرجة كبيرة على الاستهلاك المحلي، ومن المرجح أن ينكمش الاقتصاد بنحو 1.5% في الربع الحالي الذي ينتهي في يونيو المقبل.

تواجه الهند أكبر حالة طوارئ في تاريخها منذ الاستقلال، فعلى الرغم من أن الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت حدثاً استثنائياً، إلا أن العمال والموظفون كانوا يستطيعون الذهاب إلى أعمالهم، بينما كانت الشركات المحلية لا تزال تتمتع بسنوات النمو القوي، وكان النظام المالي سليماً إلى حد كبير، فقد شهدت تلك الفترة إجراءات وتمويلات حكومية معتبرة استجابت للأزمة، لكن الهند لم تعد تملك أي من هذه الأدوات اليوم، وبالتالي، من المرجح أن تعاني البلاد أزمة سيولة خطيرة، إذ ستلقي التحديات بظلالها القاتمة على الجميع من شركات البيع بالتجزئة إلى محطات الطاقة وحتى مصانع الحديد والصلب، وقد تلحق القيود، ضرراً بشركات صناعة السيارات المحلية، وليس هناك من خيار الآن أمام الحكومة سوى اللجوء إلى خطط التحفيز المالي، وإلا فسيتم بيع بعض الأصول المحلية المهمة للمستثمرين الأجانب.

يعمل نصف سكان الهند في الزراعة، وثلثهم في قطاع الخدمات، وتتمتع البلاد بمزايا تبشر بمستقبل واعد رغم الجائحة، فانخفاض تكاليف المعيشة وأجور العمل، وتوافر العمالة الماهرة، واتساع الطبقة الوسطى (250 مليون) واستخدام الإنجليزية كلغة رسمية على نطاق واسع، كل هذه العوامل ستضاعف حجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى الهند مستقبلاً، ويرفع معدلات النمو إلى رقم مزدوج، كما تدر صناعة السينما الهندية "بوليوود" مليارات الدولارات سنوياً حيث تنتج أفلاماً ضعف ما تنتجه نظيرتها الأمريكية "هوليوود"، وبأسعار مناسبة جدا، وتقوم بدور هائل في الترويج للصناعة الوطنية والبضائع والثقافة الهندية، ومع ذلك، فإن التحديات مازالت كبيرة، خصوصا مع تفاقم أعداد الفقراء ومعدلات البطالة والتضخم وتهالك البنية التحتية وتدني الخدمات وشح المياه والتلوث البيئي. 

 

خاص_الفابيتا