مهدت الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضد الصين، الطريق أمام "انفصال اقتصادي" لا رجعة فيه بين أكبر اقتصادين في العالم، وإذا كانت إدارة الرئيس الجديد جو بايدن تسعى إلى تجاوز مرحلة "الشغب الاقتصادي"، واستئناف التعاون الدولي متعدد الأطراف لتحقيق المنافع المتبادلة، فإن السؤال المحوري هنا، هو: كيف ستدير واشنطن خلافاتها مع شركائها التجاريين، وبأي طريقة ستطوي من الذاكرة صفحة الحرب التجارية؟.
يهدد الانفصال المحتمل بين واشنطن وبكين، كما خطط له ترامب، بتقسيم العالم إلى ساحتين مستقلتين من النفوذ على الاقتصاد العالمي، بما يتجاوز مجرد سلع وخدمات تقليدية، ففي الوقت الذي تزيد فيه حدة المواجهة في القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا والابتكارات، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، تشعر بعض الجامعات الأمريكية بالقلق من توظيف الباحثين الصينيين، خوفا من أن يكونوا جواسيس، بينما تتخذ بكين حيلاً دفاعية في مواجهة الجبروت الأمريكي ليست أقل من إنشاء شركات وطنية رائدة في كل قطاع من سلاسل التوريد التكنولوجية، بداية من تجميع الإلكترونيات إلى صناعة الرقائق.
في المقابل، يدرك عقلاء الولايات المتحدة أن أفضل استجابة لخطط الابتكار في الصين تكمن في تعزيز القدرات الأمريكية الخاصة وجذب المواهب والأفكار ورجال الأعمال ورؤوس الأموال المغامرة إلى شواطئها، ولذا فإنه يتعين على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تواجه نفسها بأسباب الفشل في بناء علاقات تجارية عادلة مع الصين، بدلاً من إلقاء اللوم على أحفاد ماو تسي تونج، كما يجب أن تختفي "نبرة التحريض والتحريض المضاد" التي سادت خلال سكرة "أميركا أولاً" التي تبناها ترامب.
يقيناً، فإن شبح الانفصال بين القطبين الكبيرين سيكون مزعزعاً للاستقرار العالمي، وقد يقوض النمو الاقتصادي الذي حدث خلال العقود الأربعة الماضية، فضلاً عن ذلك، فإن استمرار حالة القطيعة تؤذن بعودة الستار الحديدي بين الشرق والغرب، وبداية سباق التسلح النووي الجديد، مع ما يصاحب ذلك من مخاطر اقتصادية، وعدم استقرار استراتيجي.
وفقاً لبيانات غرفة التجارة الأمريكية، فإن الاقتصاد الأمريكي قد يخسر أكثر من تريليون دولار إذا سعى البيت الأبيض إلى انفصال حاد عن الصين، فضلاً عن فقدان حوالي 500 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي لمرة واحدة إذا باعت الولايات المتحدة نصف استثمارها المباشر في الصين، كما سيخسر المستثمرون الأمريكيون 25 مليار دولار سنوياً من مكاسب رأس المال، وقد تشمل الخسائر 15 مليار دولار إلى 30 مليار دولار سنوياً في تجارة الخدمات المصدرة إذا انخفض الإنفاق على السياحة والتعليم الصيني إلى نصف ما كان عليه قبل جائحة كورونا.
لكن، تكاليف فصل أكبر اقتصادين في العالم تتعدى إلى ما هو أبعد من الأموال، فالسياسات الأمريكية الشاملة الموجهة ضد الصين ستؤثر أيضاً على الدول الأخرى، خاصة الحليفة منها لبكين، مما قد يجبرها على إعادة النظر في علاقاتها مع واشنطن، ولا شك أن هذه التحركات العدائية ستزيد من تكاليف الشركات الأمريكية وتحد من قدرتها على المنافسة عالميا، وعلى سبيل المثال، قد تكلف خسارة سوق الطائرات الصيني الضخم 875 مليار دولار بحلول عام 2038، كما أن انقطاع الشركات الأمريكية عن السوق الصينية تماماً سيكون له عواقب سلبية على المدى الطويل.
في الطريق إلى إعادة هندسة السياسات القادمة، يجب احترام الدور المركزي لقوى السوق في تحديد الفائزين، والقدرة المحدودة للحكومات على إعادة توزيع الموارد لتسهيل العملية، ولا شك أن السياسة الناجحة بين الولايات المتحدة والصين سيكون لها في نهاية المطاف تكاليفها وستتطلب بعض التعديلات المؤلمة، ومن الأهمية بمكان أن تحتفظ الشركات في كلا الجانبين بالوصول إلى السوق وأن تكون قادرة على إعادة استثمار الإيرادات مرة أخرى في الإنتاج والبحث والتطوير.
في المقابل، تطمح الصين للاعتماد على الذات في العلوم والتكنولوجيا كركيزة استراتيجية للتنمية، وتعتزم زيادة الإنفاق على البحث والتطوير بأكثر من 7% سنويًا بين عامي 2021 و2025، بهدف تحقيق اختراقات كبرى في مجال التكنولوجيا، ووضعت سبعة تقنيات على قمة أولوياتها في السنوات الخمس المقبلة، وهي الذكاء الاصطناعي، والمعلومات الكمومية التي تساعد في تحقيق اختراقات طموحة مثل ابتكار طب جديد، وتطوير صناعة أشباه الموصلات التي تمثل نقطة ضعف خطيرة في الاقتصاد الأمريكي، وعلم الدماغ، وعلم الجينوم والتكنولوجيا الحيوية، و الطب السريري والصحة، واستكشاف الفضاء أو المريخ، والبحث في أصل الكون وتطوره، والاهتمام بأبحاث أعماق البحار.
خاص_الفابيتا