يبدو أن طريق الاقتصاد الأمريكي به كثير من الأشواك المعرقلة للتعافي، فهو أبعد مما يعتقده الكثيرون، إذ تظهر أحدث المؤشرات السلبية أن سوق العمل لم تتحسن، بل تقهقرت خاسرة 140 ألف وظيفة في القطاع غير الزراعي خلال الشهر الفائت، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تمر بمرحلة حرجة جداً، وأن الوضع الاقتصادي بات يشبه وضعية الطالب الفاشل الذي يحتاج إلى درجات عالية جداً فيما تبقى له من اختبارات لتدارك الأمر وإلا رسب، خاصة بعد أن أهدر الكونجرس، قبل أن يستفيق متأخراً، الوقت بما فيه الكفاية بفعل حالة الاستقطاب الحاد بين الفرقاء السياسيين.
بالرغم من أن الاقتصاد الأمريكي حافظ على قوته خلال جائحة كورونا بفضل الاستجابة الفيدرالية الفريدة لتداعيات الكساد، إلا أنه ما زال بعيداً عن التعافي التام، بينما لاتزال هناك بعض المخاطر إزاء المستقبل الغامض للاقتصاد، ومما يفاقم هذه المخاطر الاقتصادية الوقوع في شراك الاستقطاب الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولهذا، فإنه من المرجح أن يشهدالاقتصاد الأكبر عالمياً تباطؤاً كبيراً، أو حتى انكماشاً مأساوياً خلال الربع الأول من العام الجاري.
يقيناً، فإن حزمة الإغاثة التي أقرها الكونجرس مؤخرا بقيمة 900 مليار دولار ستساعد الاقتصاد المتعثر، وستمكنه من التعافي بشكل طبيعي خلال النصف الثاني من العام، وهذا يعني أن التباطؤ سيظل قصير الأجل نسبياً، ومع ذلك، فإن أخطر ما يهدد التعافي المنشود هو أن وتيرة التطعيمات في الولايات المتحدة كانت مخيبة للآمال بشكل لا يصدق، حيث تلقى أقل من 5 ملايين شخص جرعتهم الأولى من اللقاح، أي أقل من 2 % من إجمالي عدد السكان البالغة أعدادهم نحو 330 مليون نسمة.
تشير البيانات إلى أن القطاعات التي لا تتطلب تفاعلا وجها لوجه، مثل مراكز البيانات، وشركات الاتصالات، والمرافق اللوجستية، تعافت بسرعة من الصدمة الأولية للجائحة، واستفادت من الاقتصاد الناشئ عن التباعد الاجتماعي والعمل والتسوق من المنزل، مما رفع الطلب على خدمات الاتصالات الرقمية والتجارة الإلكترونية، وبالرغم من تلهف الكثيرين للعودة إلى مكاتبهم بعد نحو عام من العمل عن بعد، إلا أن العديد من الشركات الأمريكية تتخذ قرارات لتقليص حيز المكاتب، أو البحث عن مبان في مناطق أرخص ثمناً، أو التخلص من مقرها تماماً في ظل حالة الغموض الاقتصادي.
سؤال البنوك والقروض المصرفية والتحفيز المالي، يظل سؤالاً محورياً في ظل التباطؤ الحاد، وقد أمضت البنوك الأمريكية الأشهر الستة الأولى من 2020 في تعزيز مخصصاتها استعدادا لخسائر الائتمان، وهي الأموال المخصصة لتغطية القروض التي لن يتم سدادها، وبحسب اختبارات التحمل التي أجراها البنك المركزي الأمريكي مؤخراً على أكبر 33 بنكاً، فإن البنوك قد تواجه خسائر تزيد على 600 مليار دولار، ومع ذلك يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي واثق في قدرة البنوك على تحمل شدائد 2021، حيث سمح لأكبر البنوك التي يشرف عليها باستئناف دفع أرباح المساهمين بعد تجميد الأصول في وقت سابق من العام المنصرم، رغم أن الحكمة تستدعي تقليل المدفوعات للحفاظ على قدرة إقراض الأسر والمقترضين خلال شتاء مليء بالتحديات.
رغم أن الضرر الاقتصادي سينعكس سلباً على الرئيس المنتخب جو بايدن وحزبه الديمقراطي، إلا أن حالة التأزم الاقتصادي المستمرة من شأنها أن تجعل الشعب الأمريكي أكثر استعدادا لتبني سياسات أكثر ليبرالية، وبشكل عام، فإن التعافي الاقتصادي لن يحصل طالما لم يتم دعم الشركات إلى أن ينتهي الوباء، فمن دون هذه المساعدة، سيصبح الضرر المؤقت دائماً، وهذا يعني أنه لن يتم تحصيل عائدات ضرائب من ممولي أنشطة تجارية ميتة، خاصة وأن العديد من فرص العمل التي فقدتها بعض القطاعات النوعية مثل السياحة والضيافة وعمال المتاجر ربما ستبقى ضائعة بلا عودة، وهذا يعني أن الاقتصاد الأمريكي سيظل يزحف للخروج من الحفرة العميقة.
خاص_الفابيتا