اقتصاد الترفيه.. واستثمار الحظر المنزلي

03/01/2021 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

ينطبق المثل الشهير "مصائب قوم عند قوم فوائد" على بعض القطاعات الاقتصادية التي استطاعت الاستثمار في أزمة الحظر المنزلي التي استمرت لأشهر كاملة خلال عام 2020 بفعل تفشي مشاعر الخوف والهلع، ومن أبرز هذه القطاعات شركات الترفيه العالمية التي حققت أرباحاً هائلة، خاصة في أوروبا وأمريكا، وهذه تعد أحد الاستثناءات النادرة في سياق الكساد الاقتصادي الذي ضرب غالبية الأنشطة التي عانت من الإغلاقات، وعلى سبيل المثال، سجلت أسهم شركات ألعاب الفيديو ارتفاعاً كبيراً بالبورصات العالمية، إذ قفزت أسهم شركة أوبيسوفت الفرنسية بنحو 22%، وإلكترونيك أرتس الأمريكية 30%، وأكتيفيجن بليزارد الأمريكية 50%، وسجلت نينتندو اليابانية نمواً بنحو 50%.

يقيناً، فإن الكعكة الكبرى للإيرادات تقاسمتها كبرى الشركات، وفي مقدمتها الشهيرة "نتفليكس"، حيث أنشأ نحو 16 مليون شخص حسابات جديدة على موقع الترفيه الأبرز حالياً خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، أي حوالي ضعف عدد الاشتراكات الجديدة التي سجلتها المنصة خلال الأشهر الأخيرة من 2019، وشكلت مؤشرات الربع الأول أكبر قفزة فصلية في تاريخ خدمة البث المباشر منذ إطلاقها قبل 23 عامًا، وبحلول سبتمبر باتت "نتفليكس" ثاني أكثر التطبيقات الترفيهية شعبية، مع 3.3 مليون عملية تنزيل من مستخدمي أجهزة آيفون، أما شركة نينتندو اليابانية فحققت مليار دولار كصافي أرباح في الربع الثاني، مدعومة بالطلب الهائل على ألعابها المميزة خلال فترة الإغلاق، بينما جمع التطبيق الصيني المثير للجدل "تيك توك" 14.9 مليون مستخدم يوميًا في سبتمبر، ليصبح الأكثر تنزيلًا على أجهزة آيفون، حتى أقدمت أمريكا، المسكونة بالهاجس الصيني، على حظره في الأخير.

اللافت، أنه مع بداية نسمات 2020، كانت غالبية شركات القطاع تتوقع عاماً صعباً للغاية، بعدما وصلت أجهزة بلاي ستيشن 4 وإكس بوكس إلى مرحلة الاحتضار أو الموت السريري، بسبب المبيعات الهزيلة جداً، ولكن بفضل تدابير الحظر المنزلي تغير كل شيء، وهكذا، شكل الفيروس القاتل فرصة ذهبية للمبيعات في أوروبا والتي تراجعت خلال الربع الأول 15%، إلا أن الوضع انقلب بشكل جذري خلال فترة الحجر الصحي، فقفزت المبيعات 51%، وفقاً لبيانات معهد"جي دي إس" المختص بدراسة سوق ألعاب الفيديو في أوروبا، فحققت مبيعات الألعاب الرقمية زيادة صاروخية بنسبة 127% في أوروبا ككل، مع نمو بلغ 183% في فرنسا، و213% في إسبانيا، و227% في إيطاليا، وهي الدول الأوروبية الثلاث الأكثر صرامة في تنفيذ الحجر المنزلي نظراً للإصابات المرتفعة.

هذه الأرقام القياسية تعني ببساطة، أن الأسر الأوروبية وجدت في ممارسة ألعاب الفيديو بغيتها للتسلية بعدما أصبحت أسيرة المنزل، فسجلت مبيعات بلاي ستيشن 4 قفزة مفاجئة بنسبة 62% بين مارس ومايو، أما جهاز نينتندو سويتش فقد تضاعفت مبيعاته في أوروبا بفضل لعبة "عبور الحيوانات: آفاق جديدة"، حيث شكل موضوع اللعبة، التي تم إصدارها أواخر مارس، ترياقاً مناسباً جداً لأجواء التوتر والخوف التي كانت سائدة آنذاك، حيث تتناول عالماً وردياً يصور الحياة على جزيرة تقطنها حيوانات لطيفة، مما جعل أكثر من 26 مليون لاعب يسافرون إلي هذه الجزيرة الافتراضية بين مارس وسبتمبر مع انقطاع أزيز الطائرات وحظر السفر الدولي، وهذه الحصيلة القياسية تمنحها لقب اللعبة الأكثر مبيعاً في أوروبا، متجاوزة لعبة كرة القدم فيفا 21.

أما في الولايات المتحدة، السوق الاستهلاكي الكبير، وأحد أكبر الدول التي نفذت الحظر المنزلي بصرامة على نطاق واسع، فقد حققت ألعاب الفيديو والأجهزة الترفيهية قفزات هائلة، إذ تسارعت وتيرة الشراء بنسبة 22%، مسجلة زيادة في الأرباح بنحو 44.5 مليار دولار، بحسب المعهد الأمريكي لدراسة الاستهلاك، ولم يقتصر نمو المبيعات على فصل الربيع فحسب، إذ حققت الشركات نجاحاً باهراً طوال العام، وهذا يعني أن التوقعات السابقة باندثار أجهزة ألعاب الفيديو تبدو الآن مستبعدة وغير واقعية، خاصة إذا حافظت هذه الشركات على تميزها التقني، وطالما تمتع مصمموها بالذكاء الكافي للتأقلم مع تغير أذواق المستهلكين. 

 

خاص_الفابيتا