تعد مناقشة الاستثمار في مشاريع الطاقة معقدة لأنها تنطوي على وجهات نظر مختلفة حول مستقبل نظام الطاقة. لذلك لم يكن مفاجئا أن تكون هناك آراء متعارضة حول ما إذا كانت هناك حاجة إلى استثمارات جديدة في النفط والغاز، حيث يجادل عديد من المحللين بقوة في ذلك، بينما يحذر آخرون من عدم المبالغة في رد الفعل على قضايا الإمدادات قصيرة الأجل.
تركز الحجج الداعمة لمزيد من الاستثمارات الجديدة في النفط والغاز على الحاجة إلى صنع مرونة في أنظمة الطاقة، والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، وتقليل تقلب الأسعار، خلاف ذلك، سيكون تحول الطاقة وعرا. ويحذر البعض من أنه إذا لم يتم الاستثمار اليوم، فستصبح السوق أكثر تشددا، وستستمر أسعار الطاقة في الارتفاع، ما يؤدي إلى رد فعل عنيف من الأسواق، ما يعني ضمنا الحاجة إلى مزيد من الإمدادات وليس أقل.
أدى الارتفاع السريع في أسعار الطاقة في 2022، على خلفية التعافي من جائحة كورونا وتداعيات الأزمة الأوكرانية، إلى مخاوف من شح محتمل في العرض ومنافسة شديدة بين المشترين على مجموعة محدودة من الموارد. يتساءل كثيرون إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع وما إذا كانت هناك أزمة أكثر حدة قد تبرز بسبب قلة الاستثمار في الطاقة - أي ما يسمى "فجوة الاستثمار".
في مجال النفط والغاز، في الأغلب ما يقال إن العالم يتحمل بالفعل التكلفة العالية لتشدد العرض بسبب انخفاض الاستثمار منذ انهيار أسعار النفط في 2014. صدمة الطاقة الحالية هي مظهر من مظاهر المشكلة التي ستزداد سوءا ما لم يرتفع الاستثمار بشكل كبير.
في هذا الجانب، حذر الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، لمصادر إعلامية هذا الشهر، "أنه ومع انفتاح الصين ونقص الاستثمار، هناك بالتأكيد قلق على المدى المتوسط إلى الطويل فيما يتعلق بالتأكد من وجود إمدادات كافية في السوق".
في الواقع، الاستثمار في النفط والغاز أقل الآن من المستويات المرتفعة التي شوهدت في الأعوام الأولى من العقد الماضي. الأرقام المطلوبة لمواكبة نمو الطلب كبيرة. حيث تقدر "أوبك" أن الاستثمارات المتعلقة بالنفط المطلوبة بشكل تراكمي بحلول 2045 ستصل إلى نحو 12.6 تريليون دولار - الإنفاق الرأسمالي في مشاريع المنبع يأخذ حصة الأسد بنحو 9.9 تريليون دولار. هذه النفقات الرأسمالية ضرورية للحفاظ على نمو الإنتاج لتلبية الزيادات المتوقعة في الطلب وتعويض الانخفاض الطبيعي في حقول النفط Natural Decline rate الذي يقدر بنحو 6 في المائة. إذا لم تتحقق هذه الاستثمارات، يجب أن يستعد العالم لفترة طويلة من ارتفاع أسعار النفط والغاز.
تتوقع دراسة أجراها بنك جولدمان ساكس العام الماضي، أنه بسبب تراجع الاستثمار في مشاريع النفط والغاز منذ 2014، سيخسر العالم نحو عشرة ملايين برميل يوميا من النفط، ونحو ثلاثة ملايين برميل نفط مكافئ من الغاز المسال يوميا بحلول 2024 - 2025. في مجال التنقيب عن النفط والغاز، أشارت الدراسة إلى أن الصناعة كانت في ذروتها تنفق 900 مليار دولار سنويا، لكنها تراجعت إلى 300 مليار دولار في 2020، أي بنحو الثلثين. حذر البنك "من أن الأسواق استنفدت كل الطاقة الفائضة، ولم يعد بإمكانها التعامل مع اضطرابات الإمدادات مثل تلك التي نشهدها حاليا بسبب الأزمة الأوكرانية".
يفترض خبراء الطاقة أنه عندما ترتفع الأسعار، الاستثمار يحذو حذوها، ما يؤدي إلى زيادة الإمدادات بعد بضعة أعوام. في هذا الجانب، يشير تقرير صادر عن منظمة أوبك، إلى أنه "إذا كانت الأسعار داعمة، سترتفع الاستثمارات وستكون كافية لضمان تطابق العرض مع الطلب، على الأقل في المدى المتوسط".
لكن، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط وارتفاع أرباح شركات الطاقة خلال العام الماضي، إلا أن القليل فقط منها تمت إعادة استثماره في مشاريع جديدة للنفط والغاز. بما أن شركات النفط والغاز تقر بحتمية انتقال الطاقة في المستقبل، لذلك يضخ عديد منها الأموال في مشاريع الطاقة المتجددة الخاصة بهم، ويعيدون الأموال إلى المساهمين. ومع ذلك، يشعر خبراء الطاقة بالقلق من أن نقص الاستثمار في النفط والغاز يمكن أن يهدد أمن الطاقة في العالم، في وقت يرتفع فيه الطلب ويتصاعد.
تكمن المشكلة في أنه لا يبدو أن أحدا في الغرب متأكد من أن الأمر يستحق الاستثمار أكثر - ليس علنا على الأقل. من المحتمل جدا أن تدرك شركات، مثل: شل، إكسون، شيفرون، وبريتيش بتروليوم، جيدا، أن العالم بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات في النفط والغاز من أجل تلبية الطلب الحالي والمستقبلي. لكن، ضغط الحكومات والمساهمين ونشطاء البيئة بعدم إنتاج مزيد من النفط والغاز يتعارض مع واقع الطلب العالمي على الطاقة.
هذا الضغط -وما يرتبط به من تشريعات وقرارات قضائية- يتخذ قرارات كان من الممكن في أي وقت آخر في الماضي تكون سهلة وواضحة، لكنها الآن تبدو صعبة ومحفوفة بالمخاطر.
هناك أيضا عنصر الربح المفاجئ، الذي زاد من تردد منتجي النفط والغاز في فعل الشيء الواضح. لذا شركات النفط لا تتخذ القرارات التي يمليها الواقع، وبدلا من ذلك تختار التشدق إلى حد كبير بالمرحلة الانتقالية.
على الرغم من كل هذا الالتباس، مع قيام الحكومات بإخبار صناعة النفط والغاز أنها بحاجة إلى إنتاج المزيد -لكن لفترة قصيرة فقط لأننا نتحول بعيدا عن الوقود التقليدي- وتفرض عليها ضرائب إضافية بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز، إلا أن هناك جانبا مضيئا. أصبحت الصناعة أكثر جرأة في توضيح ما هو واضح.
في هذا الجانب، يعترف الرئيس التنفيذي لشركة بريتيش بتروليوم، الآن، الذي تبنى تحول الطاقة بحماس قبل عامين، بأن تحول الشركة إلى مصادر الطاقة المتجددة لم يؤت ثماره، كما كان متوقعا، ويقول إن الانتقال سيستفيد من مزيد من الاستثمار في النفط والغاز.
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة شل، "لدي وجهة نظر راسخة بأن العالم سيحتاج إلى النفط والغاز لفترة طويلة مقبلة. وبالتالي، فإن خفض إنتاج النفط والغاز ليس بالأمر الصحي".
ربما هذا الإقرار من قبل شركات النفط العالمية لتوضيح ما هو واضح قد يؤدي عاجلا أم آجلا إلى اتخاذ قرارات شجاعة لزيادة الاستثمار. تكمن المشكلة وفقا لمسؤولي "أوبك" ومحللي الطاقة الدوليين، في أن التوازن في أسواق النفط قد تعرض بالفعل للخطر بسبب قلة الاستثمار، وقد يكون النقص مجرد مسألة وقت.