هل تكسر الصين هيمنة الدولار الأمريكي؟

20/12/2020 1
د. خالد رمضان عبد اللطيف

بينما ينمو اليوان الصيني في صمت، وتستمر التدفقات المالية بثبات، يعاني النظام النقدي الذي يهيمن عليه الدولار تغيرات مفاجئة، وإذا كان كل شيء يشير الآن إلى أن عملة الصين التي لا يستهان بها، ستصبح عاجلاً أم آجلاً ضمن المجموعة الحصرية لأهم العملات الدولية ذات الثقل، فإن بيانات بنك التسويات الدولية تدعم هذا الاتجاه إذ تشير إلى أن متوسط التداول اليومي باليوان خلال شهر أبريل وحده بلغ حوالي 285 مليار دولار، رغم تفاقم الأزمة الاقتصادية، ومع ذلك، فإن رغبة الصين في إزاحة الدولار الأمريكي قد لا تتحقق على المدى القصير، كما أن رهان الإزاحة على المدى الطويل يعتمد جزئياً على ظهور بديل قابل للتطبيق.

واقعياً، حقق الرئيس المنصرف دونالد ترامب ما كان يصبو إليه من تراجع مؤشر الدولار الذي خسر 6% تقريبا منذ بداية 2020، وهذا الهبوط في الواقع واحد من سلسلة التقلبات التي يمكن تفسيرها بسهولة، لكن السؤال الآن هو: كيف ستتصرف بقية الدول مع ارتفاع اليورو بأكثر من 8% واليوان 6%؟..لا شك أن من بين أسباب تحسن قيمة اليوان، استقرار الاقتصاد ونجاح الصين في السيطرة على الوباء، وإعادة تنشيط عملية الإنتاج والتصدير بالكامل، متفوقة بذلك على معظم الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة، حيث فشلت إدارة ترامب في مواجهة الوباء فشلا ذريعاً، ولهذا فإن الصين غير راضية عن "الامتياز الباهظ" الذي تتمتع به واشنطن على صعيد العملة المتوغلة بشراسة.

بنهاية عام 2019، بات 70 بنكا مركزياً عالمياً على الأقل يملكون احتياطيات من عملة اليوان ضمن النقد الأجنبي، مقارنة بـ60 بنكا في عام 2018، وهكذا في الوقت الذي يضعف فيه الدولار تزداد قوة اليوان، كما يبدي المستثمرون اهتماماً أكبر الآن بالعملة الصينية، خاصة مع نجاح العملاق الآسيوي في الأخذ بزمام التعافي من الوباء، ومن المتوقع أن يكون الاقتصاد الصيني هو الوحيد في العالم الذي يحقق نموًا إيجابياً في 2020.

من الطبيعي أن تصبح الصين في عجلة من أمرها لكسر هيمنة الدولار على مبادلاتها الخارجية، ويزيد من هذه العجلة حجم الانهيارات التي خلفتها العقوبات الأمريكية لعملات دول مثل إيران وروسيا وفنزويلا وسوريا ولبنان، ولا شك أن اعتماد الصين على النظام القائم على الدولار يجعلها عرضة للخطر، ومع ذلك فإن التكهنات بشأن انهيار الدولار أمام اليوان بعيدة بشكل لايصدق، وغير قابلة للتصديق، إذ لا تزال العملة الصينية تفتقر إلى شروط موضوعية لتكون قابلة للتحويل بشكل كامل، خاصة أن مالكيها لا يمكنهم صرفها في الكيانات المصرفية المركزية في أي وقت، لكن من الواضح الآن أن البنك المركزي الصيني يعمل بالفعل على إنشاء نظام لتسوية المدفوعات والاستثمارات عبر الحدود باليوان، مما سيزيد تدريجياً من قابليتها للتحويل.

في الوقت الراهن، تحافظ 5 من أكبر 12 اقتصاداً في العالم على مبادلاتها التجارية باليوان، وهي اليابان والهند وروسيا والبرازيل وكوريا الجنوبية، وانضمت إليها دول أخرى على غرار الأرجنتين وفنزويلا وأستراليا وإيران وبيلاروسيا والعديد من البلدان الآسيوية، حيث تستخدم الشركات في بكين اليوان في مبادلاتها مع 181 دولة ليستمر توسعها العالمي دون هوادة، ومن شأن أكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم، المعروف بـ "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة"، الذي يضم 15 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والنفوذ الصيني بمبادرة طريق الحرير الذي سيشمل أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، أن يعزز جهود تدويل اليوان الذي يتقدم تدريجياً بثبات.

حقيقة، تبدو الصين سعيدة بفوز جو بايدن لأنه سيزيل بعض الضرر الذي ألحقه ترامب بعملتها، ولكن في المقابل، لا تريد بكين أن يسير اليوان في نسق سريع، وبغض النظر عن الموقف الذي يتخذه الرئيس الديمقراطي إزاء الصين، فإنه من المؤكد أن سياساته ستكون أكثر قابلية للتنبؤ من سياسات سلفه، وهو ما سيصب في مصلحة اليوان، ولهذا سيكون كبح التقلبات المفرطة في العملة أمراً بالغ الأهمية في حال أرادت بكين الحفاظ على تدفق الأموال الأجنبية، وكان المستثمرون في الخارج، الذين أغرتهم العائدات، يشترون الإصدارات السيادية الصينية بوتيرة قياسية. 

 

 

خاص_الفابيتا