قراءة المؤشرات الاقتصادية واتخاذ الحلول اللازمة

07/12/2020 0
عبد الحميد العمري

ترتقي أهمية النشر الدوري والمنتظم والدقيق للمؤشرات الاقتصادية والمالية الكثيرة، وغيرها من المؤشرات المتعلقة ببقية القطاعات والنشاطات إلى الدرجة التي تمكن متخذ القرار التنفيذي من الوفاء بواجباته ومسؤولياته الملقاة عليه وعلى جهازه التنفيذي الذي يتولى قيادته وإدارته، ما يعني بالضرورة في المقابل أن أي تأخر في توافر تلك المؤشرات، أو غياب لها أو عدم دقتها سينعكس سلبا على كفاءة الأداء المرتبطة بالجهاز التنفيذي ذي العلاقة، ولن يقف أثر ذلك عند هذا الحد، بل سيمتد إلى التأثير سلبا في أداء عديد من الأجهزة الأخرى ذات العلاقة، حتى إن كانت تلك الأجهزة لا تعاني أي معضلات على مستوى المؤشرات المتعلقة بعملها ومجال مسؤولياتها.

سيتركز الحديث هنا على الحالة التي تفترض عمليا توافر تلك المؤشرات بصورة منتظمة ودقيقة، وأهمية اتخاذ التدابير والإجراءات والقرارات المتوافقة مع نتائج تلك المؤشرات، سواء جاءت تلك النتائج مؤكدة: (1) أن السياسات ومنهجية العمل القائمة تتجه بنجاح نحو الأهداف المحددة، أو (2) بحال أظهرت بعض التأخر أو عدم التحقق في بعض جوانبها، أو (3) بحال أظهرت نتائج المؤشرات حتى أحدث تاريخ لنشرها ابتعادا أو تضاربا في أداء الأعمال عن الأهداف النهائية المفترض تحقيقها، ما يعني بالضرورة القصوى في الحالتين الثانية والثالثة، أن يبدأ الجهاز التنفيذي المعني بالعمل فورا على معالجة أوجه الخلل أو القصور التي أدت به في نطاق مهامه ومسؤولياته إلى حدوث تلك النتائج العكسية، وتحديد أسباب ومصادر الانحراف عن الأهداف المحددة، وهل نشأت من مصادر داخلية تتعلق بآلية عمل الجهاز، أو من مصادر خارجية تتعلق بآلية عمل جهاز أو أجهزة أخرى، أو أنها مزيج من الأسباب ذات المصادر الداخلية والخارجية، والعمل فورا على معالجتها بالتنسيق والتكامل مع الأجهزة التنفيذية الأخرى ذات العلاقة.

من المؤكد أن الحديث النظري سيبعث على كثير من الملل، خاصة في مثل هذا المجال، وبالذهاب إلى عديد من الحالات العملية على أرض الواقع، تلك الحالات المطابقة في تشخيصها ونتائجها من الحالتين الثانية والثالثة المشار إليهما أعلاه، مع التأكيد هنا أن الحالات المطابقة للحالة الأولى "السياسات ومنهجية العمل القائمة تتجه بنجاح نحو الأهداف المحددة"، قد حظيت بالنصيب الأوفر والأكبر، بحمد الله، وهو ما أكدته ولا تزال مؤشرات الأداء الاقتصادي والمالي محليا طوال الفترة الماضية، بل أظهرت ثمارها بشكل جلي خلال العام الجاري، الذي واجه خلاله الاقتصاد العالمي كاملا تحديات جسيمة نتيجة تفشي الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، وما زالت الاقتصادات والأسواق والمجتمعات تواجه تلك التحديات، وهو ما نجحت في مضماره بلادنا، بحمد الله، في تجاوز كثير منها، ويتوقع أن تظهر مزيدا من تحسن الأداء والنتائج خلال العامين المقبلين، بمشيئة الله تعالى.

إن من أهم ما يجب الوقوف عنده بمزيد من المراجعة والبحث أمام عدد من المؤشرات الأخيرة، المتعلق بسوق العمل المحلية التي أظهر بعض مؤشراتها ارتفاع حجم التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى الخارج، وصل حجمها منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى أعلى من 123.4 مليار ريال، مسجلة نموا سنويا مقارنة بحجمها للفترة نفسها من العام الماضي وصل إلى 18.6 في المائة، وهو معدل النمو الأول لتلك التحويلات خلال آخر خمسة أعوام، وهو أيضا معدل النمو السنوي الأكبر منذ 2010.

وبالنظر إلى هذا التطور العكسي ضمن صورة أكبر، تضم ارتفاع معدل البطالة بين المواطنين إلى 15.4 في المائة بنهاية الربع الثاني 2020، وعودة النمو إلى حجم تأشيرات العمالة الوافدة، إضافة إلى المتغيرات الأخرى كالنمو الحقيقي للقطاع الخاص والأعباء المالية على مرافقي العمالة الوافدة وغيرها من المتغيرات ذات العلاقة، فإن كل تلك التطورات مجتمعة وما آلت إليه من خلال ما أظهرته من مؤشرات أداء، تقتضي بالضرورة عودة عاجلة من قبل الأجهزة التنفيذية ذات العلاقة إلى طاولة البحث والتحليل والمراجعة، للخروج بحلول حقيقية فاعلة تستهدف التصحيح والمعالجة، وليس المجال هنا لإملاء حلول بعينها، ذلك أنها مهام ومسؤوليات الأجهزة التنفيذية ذات العلاقة، التي تتوافر لديها المعلومات الكاملة حول ما سبق من متغيرات وتطورات.

أيضا من المؤشرات الأخرى ما يرتبط بارتفاع حجم القروض المصرفية بمختلف أنواعها، وتحديدا القروض العقارية التي سبق الحديث عنها في المقال السابق "البنك المركزي السعودي .. رقابة أقوى على القروض"، والدور المسؤول الذي قام به أخيرا البنك المركزي تجاه المؤسسات المالية المخالفة، التي وصل عددها إلى 30 مؤسسة تمويل، وقعت في مخالفات مبادئ التمويل المسؤول للأفراد، تعلقت بنسب تحمل العملاء الأفراد للالتزامات الائتمانية الشهرية من إجمالي دخلهم الشهري عند حصولهم على منتجات التمويل، وعدا ما تم الحديث حوله من آثار عكسية للارتفاعات المطردة لتلك القروض على مستويات الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية، وأنها أسهمت في زيادة تكلفة تملك المساكن بالنسبة للأفراد، إلا أن الأهم الإشارة في هذا الصدد، إلى ما ذكره البنك المركزي السعودي بخصوص نوع تلك المخالفات التي ارتكبتها المؤسسات المالية المخالفة، وتأكيد البنك المركزي مراعاة الأعباء المالية التي يمكن للأفراد تحملها عند تقدمهم للحصول على أي منتج تمويلي لتفادي التعثرات المالية من قبلهم.

إن السماح بتلك التجاوزات على مستوى نسب أعباء السداد وارتفاعها، واتساع دائرة تلك التحديات على مئات الآلاف من الأفراد لمدد زمنية طويلة، ستكون له انعكاسات سلبية تتجاوز حدود ما أشار إليه البنك المركزي أعلاه من آثار في الأفراد المقترضين، إذ ستمتد إلى التأثير في حجم الطلب الاستهلاكي للأسر، الذي سينعكس بدوره على الاقتصاد الوطني، والقطاع الخاص بدرجة أكثر تحديدا، الذي سيواجه تقلص التدفقات الداخلة، ما سيضعف خيارات توسعه ونموه على عديد من المستويات، لعل من أهمها مساهمته في النمو الاقتصادي، ومساهمته في زيادة توظيف الموارد البشرية الوطنية، دون إغفال التأثير السلبي في منشآته نتيجة ارتفاع تكلفة شراء واستئجار العقارات، وهي التأثيرات التي ستؤدي مجتمعة إلى زيادة حجم المعوقات في طريق نموه واتساع نشاطاته ومساهمته في النمو والتوظيف، التي لا بد على الأجهزة التنفيذية ذات العلاقة أن تستجيب لإيجاد الحلول المناسبة لها، وتعمل على إكمال جهود البنك المركزي في هذا الشأن لتحقيق الأهداف المحددة والمنشودة، يأتي في مقدمتها توطيد الاستقرار المالي والاقتصادي، ودعم النمو الاقتصادي واستدامته، وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى.

 

نقلا عن الاقتصادية