هل ينهي اللقاح متاعب الاقتصاد العالمي؟

15/11/2020 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

متي ينتكس كورونا خائبًا مدحورًا ويصبح نسياً منسيا؟، وهل تطلق عليه البشرية قريباً رصاصة ترديه صريعاً يتلظى في متحف التاريخ بين أرشيف الأوبئة سيئة السمعة؟، لكن، مع توالي الإعلانات من شركات الأدوية العالمية بقرب الإجهاز على الوباء سيئ الذكر، سيتعين علينا الانتقال إلى مربع جديد، للبحث في كمية الوقت التي يحتاجها الاقتصاد العالمي لاسترداد عافيته المفقودة؟، إذ لم يشغل الخبراء والاقتصاديون أنفسهم هذا العام أكثر من انشغالهم بمعرفة توقيت عودة مليارات البشر، أو الزبائن، إلى حياتهم الطبيعية دون قيد أو شرط؟، تلك العودة التي تعني إعطاء قبلة الحياة للأنشطة الاقتصادية الراكدة التي تجلس فوق فوهة بركان بانتظار مأساة.

لا شك أنها أسئلة مشروعة فجرها الإعلان المفاجئ والمفرح في آن واحد، لشركتي فايزر الأمريكية، وبيونتيك الألمانية، بالتوصل إلى لقاح فعال للفيروس المميت بنسبة 90 في المائة، وهو إعلان لا يجب أن يخدعنا بإطلاق توقعات جزافية حول قرب التعافي المطلق للاقتصاد العالمي، لأنه حتّى لو أصبح اللقاح

متاحًا لبضعة ملايين هذا العام وتحديداً نهاية ديسمبر، فإن هذا لا يعني أن أكثر من سبعة مليارات من البشر سيحصلون جميعاً ودون هوادة على التطعيم خلال شهر واحد، لأننا في حقيقة الأمر بصدد تطعيم قد يستمر لمدة سنة على الأقل، وسيمنح هذا التأخير الإجباري بعض الاقتصادات تعافي محدود وتدريجي دون البعض الآخر، خاصة وأن الاتجاه العام يضفي نزعات قومية على اللقاح، وهذا يعني ببساطة أن من سيدفع فاتورة التأخير هم الدول الفقيرة، لأن تطعيم شعوبها سيكون في ذيل القائمة.

بالرغم من ذلك، فإن مبعث التفاؤل ينبع من تزايد الآمال في اختصار المدة الزمنية المطلوبة لتعافي قطاعات نوعية ومؤثرة مثل الطيران والسفر والسياحة والفنادق والمطاعم وتجارة التجزئة والترفيه والوظائف والإنفاق الاستهلاكي، وعلى ذات المنوال يمكن توقع تصحيح تلقائي في أسعار النفط نتيجة تعافي الطلب على الوقود والبنزين، واستعادة قطاع التصنيع لزخمه المعهود، كما أنه لا يمكن إغفال العامل النفسي وتأثيره الإيجابي على بند انفاق المستهلكين الحيوي، مع زوال الخوف من التنقل والسفر والسياحة وممارسة الأعمال من المكاتب

الإدارية، وعلى هذا يمكن توقع تعافي تدريجي خلال أشهر من بدء توزيع اللقاح المرتقب.

لكن، حتى في حالة ظهور نظام تطعيمي ناجح، فلن يكون التعافي الاقتصادي فوري، فقد يستغرق الأمر أكثر من عام، أي حتى نهاية 2021، إلا أن السيناريو الأخطر الآن على الاقتصاد العالمي، هو احتكار الدول الكبرى للقاح، فهذا الأمر كفيل بإطالة أمد الجائحة، وتأخير الانتعاش الاقتصادي، ولهذا فإن الواجب الأخلاقي يحتم على شركات الأدوية الكبرى أن تساند نظاماً تدعمه الدول الكبرى، بحيث تدفع الدول الفقيرة ثلاثة دولارات أو أقل للجرعة الواحدة، على أن تتكفل الدول الغنية والمتوسطة الغنى بالباقي، وهذا الأمر ضروري للغاية لتعظيم المنفعة الصحية والاقتصادية بالتبعية.

في المجمل، فإن الوعد باللقاح الناجح يرفع من منسوب الأمل في تعافي الاقتصاد العالمي، وعودة عجلة النمو للدوران من جديد، مع إنهاء الإغلاقات الاقتصادية المؤلمة في كثير من الدول، مما يسّهل عودة الحياة إلى طبيعتها، ويشجع الناس على العودة للمتاجر وركوب الطائرات، ومن الممكن أن نرى الناتج المحلي الإجمالي عند مستويات ما قبل الجائحة بنهاية

عام2021، وهناك فرصة أكبر لتعديل تدريجي للنمو العالمي، لكن في المقابل، يجب عدم الإسراف في التفاؤل بشأن قرب التعافي الاقتصادي.. صحيح أن القوة الضاربة آتية، وأن الدعم آت، لكنه لم يصل بعد، ولذا يجب أن تتواصل حزم التحفيز الاقتصادي دون انقطاع. 

 

خاص_الفابيتا