تقلّبات العقار خلال 2010 - 2020 .. ثم ماذا؟

09/11/2020 0
عبد الحميد العمري

شهدت السوق العقارية المحلية طوال الفترة 2010 ـ 2020 تقلبات عديدة، سواء على مستوى قيمة الصفقات العقارية للسوق، أو الأسعار، ويمكن تحديدها في ثلاث مراحل رئيسة: الأولى كانت خلال 2010 ـ 2014، الثانية كانت خلال 2015 ـ 2018، والثالثة كانت خلال 2019 ـ 2020، اتسم كل مرحلة بسمات ومتغيرات وأوضاع اقتصادية ومالية، اختلفت إلى حد بعيد بين كل مرحلة وأخرى.

فخلال الفترة 2010 ـ 2014 تصاعدت قيم صفقات السوق من 126.2 مليار ريال خلال 2010 إلى ذروتها الأعلى عند 430.9 مليار ريال خلال 2014، ثم بدأت بالتراجع خلال الأعوام الأربعة التالية حتى وصلت إلى 137.4 مليار ريال بنهاية 2018، مسجلة انخفاضا في قيم صفقاتها وصلت نسبته إلى 68.1 في المائة، لتعود إلى الارتفاع مجددا مع مطلع 2019 إلى 169.9 مليار ريال بنسبة نمو بلغت 23.6 في المائة، مدفوعة بالنمو القياسي في حجم القروض العقارية الممنوحة للأفراد "79.6 مليار ريال" خلال العام نفسه، شكلت نحو 46.9 في المائة من إجمالي قيمة الصفقات، ونحو 62.7 في المائة من إجمالي قيمة صفقات القطاع السكني.

ونتيجة لتداعيات انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، وما تلاه من حظر احترازي لعديد من أنشطة الاقتصاد محليا، تراجع إجمالي قيمة صفقات السوق حتى نهاية الأسبوع الماضي إلى 129.9 مليار ريال، مسجلا انخفاضا في المتوسط الأسبوعي وصل إلى 10.8 في المائة مقارنة بمثيله خلال 2019، في الوقت ذاته الذي استمر النمو القياسي لحجم القروض العقارية الممنوحة للأفراد، وصل حتى نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي إلى أعلى من 96.7 مليار ريال، مسجلا نموا قياسيا لحجمه مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي وصل إلى 88.2 في المائة، وليشكل نحو 84.8 في المائة من إجمالي قيمة الصفقات، ونحو 117.4 في المائة من إجمالي قيمة صفقات القطاع السكني، وهي النسب المرتفعة التي تعني المساهمة الكبيرة جدا للقروض العقارية في زيادة نشاط السوق العقارية عموما، والقطاع السكني خصوصا.

وعلى مستوى تحركات الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية السكنية "أراض، فلل، شقق"، فقد تزامن تحركها مع نشاط السوق العقارية خلال الفترة الموضحة أعلاه على النحو الآتي: سجلت الأسعار خلال الفترة 2010 ـ 2014 ارتفاعات قياسية، تأرجحت بين 57 في المائة وأعلى من 136 في المائة، أي: إن الأسعار السوقية تضاعفت مستوياتها خلال تلك الفترة الوجيزة، ويعزى ذلك لعديد من الأسباب التي سبق الحديث طويلا حولها، لعل من أبرز ما يجب ذكره منها: ارتفاع أسعار النفط، والإنفاق الحكومي، وزيادة قروض صندوق التنمية العقارية خلال تلك الفترة، قابلت تلك المتغيرات في جانب العرض زيادة حادة في حجم المضاربات العقارية، وارتفاع تركز تملك الأراضي واكتنازها بمساحات شاسعة، وغيره من التشوهات الهيكلية في السوق العقارية، تم استهدافها لاحقا بعديد من الإصلاحات الواسعة ما زالت مستمرة حتى تاريخه.

ومع منتصف 2014 الذي شهد تراجعات حادة في أسعار النفط، وبدأ العمل بأنظمة التمويل العقاري، ولاحقا إقرار نظام رسوم على الأراضي البيضاء، وتدشين عديد من الأنظمة والإجراءات على عمل السوق العقارية، انعكست تلك المتغيرات في مجملها على نشاط السوق بانخفاض قيم صفقاتها بنحو 68.1 في المائة، كما أشير إليه أعلاه، وانعكست كذلك على المستويات المتضخمة لأسعار العقارات، سجلت معها على مستوى القطاع السكني نسب انخفاض وصلت إلى نحو 30 في المائة في المتوسط خلال الفترة 2015 ـ 2018، وهي النسب من الانخفاض التي لا تقارن بالطبع مع نسب الارتفاع التي سجلتها خلال الفترة 2010 ـ 2014، سرعان ما تحولت إلى الارتفاع مجددا مع مطلع 2019 بالتزامن مع زيادة ضخ القروض العقارية بنسب نمو قياسية، بلغت 169.9 في المائة خلال 2019، ونحو 88.2 في المائة حتى نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، ويمكن التأكيد هنا أن العوامل العكسية التي نتجت عن انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، ولاحقا تطبيق المعدل الجديد لضريبة القيمة المضافة طوال الربع الثالث من العام الجاري، ثم الاستعاضة عنها بضريبة التصرفات العقارية، قد أسهمت مجتمعة في الحد من تزايد مستويات الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية، بمعنى أنها لو لم توجد لشهدت الأسعار معدلات ارتفاع أكبر مما شهدته حتى تاريخه.

يأتي الحديث خلال الفترة الراهنة، وفي منظور الفترة المقبلة التي ستشهد الانتقال إلى تطبيق المرحلة الثانية من نظام رسوم الأراضي البيضاء "الأراضي المطورة بمساحة عشرة آلاف متر مربع فأكثر"، في كل من الرياض وجدة والدمام خلال الربع الأول من العام المقبل، إضافة إلى بدء تطبيق المرحلة الأولى من النظام ذاته على 17 مدينة إضافية مع نهاية العام الجاري، ومع مطلع العام المقبل، وتزامن كل ذلك مع زيادة ضخ مئات الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة، واندفاع ملاك الأراضي الخام والمطورة على حد سواء نحو تطوير واستخدام تلك الأراضي، أو بالتخارج منها لمصلحة الأطراف القادرين على التطوير والبناء والاستخدام، وما سيقابله من تراجع متئد في زخم الطلب شهرا بعد شهر، قياسا على التسارع الكبير الذي شهده العامان الماضيان في أعداد المتملكين مساكنهم، وانخفاض أعداد قوائم الانتظار من طالبي تملك السكن، الذين استفادوا من منتجات برنامج سكني، يتوقع أن يتراجع حجم تلك القائمة شهرا بعد شهر بوتيرة متسارعة وصولا إلى معدلاتها الطبيعية.

إن تلك المتغيرات والتطورات المرتبطة مباشرة بالسوق العقارية، وغيرها من العوامل الاقتصادية والمالية محليا وعالميا الأخرى، التي ما زالت متأثرة في مجملها بتداعيات انتشار الجائحة العالمية للفيروس، وارتباطها بإقرار كثير من السياسات الهادفة لاحتوائها، وما قد تنتج عنه موجتها الثانية التي بدأت في أوروبا وعديد من المناطق حول العالم، يمكن القول بصورة إجمالية: إنها ستحمل معها كثيرا من التغيرات الاقتصادية والمالية على مستوى عموم نشاطات الاقتصاد، ومنها بالطبع السوق العقارية المحلية، التي يتوقع أن تشهد نمطا مختلفا عما شهدته خلال العقد الماضي، الذي شهد صعودا خلال 2010 ـ 2014 ثم ركودا خلال 2015 ـ 2018 ثم عودة للنشاط خلال 2019 ـ 2020 بدعم رئيس من القروض العقارية، سيكون العنوان الرئيس لتلك الفترة المقبلة: اتساع وتقدم تطبيق مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، زيادة عروض الأراضي المطورة والوحدات السكنية الجديدة، وهو ما يعني تحولا كبيرا في تعاملات السوق العقارية من الاكتناز والمضاربة، إلى زيادة التخارج والتطوير والاستخدام، سيقابله تراجع في الحجم الكبير لقوائم الانتظار من الباحثين عن تملك مساكنهم، وعودته إلى معدلاته الطبيعية المقبولة، وهو ما سيكون له حديث متصل أكثر تفصيلا في المقال المقبل بإذن الله تعالى.

 

نقلا عن الاقتصادية