التنين الصيني يغرد فوق قمة الهرم

02/11/2020 1
د. خالد رمضان عبد اللطيف

لسنا بحاجة إلى تحليل فني متطور لإظهار أن الصين في وضع اقتصادي أفضل من معظم بلدان العالم الأخرى.. كل ما علينا فعله هو إلقاء نظرة على مراكز التسوق الصاخبة في بكين، وطرقها المزدحمة ساعة الذروة، والمواقع السياحية المزدحمة خلال العطلات، لنعرف الفارق بين كافة دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، وبين التنين الصيني المنتفض من تحت ركام الفيروس القاتل الذي أودى باقتصادات العالم، وإذا كان في الجائحة المميتة رابحون وخاسرون، فإن الصين كانت من الرابحين.

منتصف شهر أكتوبر الماضي، أصدر صندوق النقد الدولي تقريراً حول الاقتصاد العالمي والتحديات المقبلة، ألمح فيه إلى أن الصين تمكنت من إزاحة الولايات المتحدة من على عرش الاقتصاد العالمي، لتصبح أكبر اقتصاد في العالم، فقد صار حجم الاقتصاد الصيني الآن 24.2 تريليون دولار، مقابل 20.8 تريليون دولار لنظيره الأمريكي، وإذا تم تقييم الاقتصاديين بناء على معيار تعادل القوة الشرائية، وهو أساس يرى صندوق النقد أنه الأكثر دقة عند المقارنة

بين الاقتصادات المختلفة، فإن هذا يعني أن الصين باتت فعلياً أكبر اقتصاد في العالم.

لكن، السؤال المنطقي هنا هو كيف فعلتها الصين؟، وللإجابة على هذا السؤال، دعونا فقط نرى بنداً واحداً من بنود الصرف، حيث سنجد أن الصين أنفقت العام الماضي 2.2 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث والتطوير، أي حوالي 321.3 مليار دولار، كما أنها البلد الوحيد في العالم الذي سينمو اقتصادها في عام كورونا الحزين، فوفقاً لصندوق النقد فإن الاقتصاد العالمي سينكمش بنحو 4.4 في المائة هذا العام، بينما ينمو الاقتصاد الصيني 1.9 في المائة، وإذا كان هذا التقرير الصادر عن أشهر مؤسسة مالية في العالم سيوغر صدور الأمريكيين، إلا أنه قد يستفزهم لإضافة المزيد من العراقيل أمام الصينيين لوقف زحفهم الدراماتيكي باتجاه قمة الهرم، وربما يكون هذا التقرير قد صدر عن عمد لتبرير الحرب التجارية التي تشنها واشنطن على بكين، إلا أنه من المؤكد أن العقل الأمريكي لن يتقبل ببساطة تقهقر اقتصاد بلاده إلى المرتبة الثانية، بعد أن كان الأول، وأن دولاراً واحداً في بكين يشتري ضعف ما يشتريه في واشنطن أو فلوريدا، أو التسليم بأن النموذج الشيوعي ذي الصبغة الصينية قد تفوق على النموذج الرأسمالي الليبرالي.

مع ذلك، فإنه بالرغم من عقود النمو الاقتصادي الهائل، إلا أن الصين مازالت أفقر من الولايات المتحدة من حيث نصيب دخل الفرد، ومازالت الأسرة الصينية التقليدية تعيش في منزل أصغر، وتمتلك عدد سيارات أقل، ولديها فرصاً أقل للسفر والترفيه مقارنة بنظيرتها الأمريكية، لكن ما يدفع الصين للأمام هي أنها باتت قادرة على قيادة التقدم التكنولوجي بكفاءة، والمنافسة بشراسة في مجال الذكاء الاصطناعي، بينما تتقدم لبناء شبكات اتصالات الجيل الخامس في مختلف دول العالم، كما أصبحت مقراً لأكبر شركة منتجة للطائرات المسيرة بدون طيار، وهي تصنع أسرع قطارات العالم، ورائدة في الهندسة الوراثية، بل إنها ذهبت لأبعد من ذلك، فأرسلت رحلة فضاء لاستكشاف كوكب المريخ.

قطعاً، فإن هذا النجاح الصيني المتراكم عبر السنين، لا يعني تلاشي النموذج الأمريكي، لكنه يفرض على الولايات المتحدة القيام ببعض الإصلاحات الهيكلية في مواجهة الزحف الصيني، وربما تكون أفضل طريقة للمواجهة هي ذات الطريقة التي استخدمها الأمريكيون حيال الروس إبان سنوات الحرب الباردة، وهذا يعني أن تقوم واشنطن بضخ استثمارات ضخمة "موازية للصينيين" في مجال العلوم والبحث والتطوير، لمجابهة

الإنجازات الصينية الهائلة في مجال التكنولوجيا والأبحاث العلمية.

على الولايات المتحدة أن تعي الدرس المؤلم، وربما تكون ضربة البداية عقب انتهاء الانتخابات الأمريكية، حيث يتعين على الرئيس القادم إذا أراد التصدي للتنين الصيني، البدء فوراً في تحديث الموارد البشرية، وإنقاذ الجامعات الأمريكية المتعثرة، وتوسيع شبكة الرعاية الصحية لتشمل جميع الأمريكيين، والمحافظة على التفوق في مجالات نوعية مثل شبكة الاتصالات اللاسلكية، والذكاء الاصطناعي، وتخزين الطاقة، واكتشاف اللقاح المرتقب لفيروس كورونا، وتوزيعه على العالم، فهذه الأمور باتت ضرورة ملحة للحفاظ على الصورة الذهنية للنموذج الأمريكي. 

 

خاص_الفابيتا