مأساة ماتيلدا

15/10/2020 0
فهد عامر الأحمدي

قـرأت في طفولتي قصة فرنسية قصيرة عن شابة تدعى ماتيلدا، قررت حضور حفل زفاف راق، فـطلبت من جارتها الثرية استعارة عقد ألماس باهظ الثمن دون علم زوجها. وافقت جارتها الطيبة ومنحتها العقد مع كثير من التوصيات بالمحافظة عليه. ولكن ماتيلدا اكتشفت لاحقا أنها فقدت العقد فـصارحت زوجها، واضطر الاثنان إلى بيع ممتلكاتهما، واقتراض مبالغ كبيرة لشراء عقد مماثل أعاداه لجارتهما دون إخبارها بما حصل. وبسبب الديون الكبيرة والفوائد، التي تحملاها في مقتبل العمر انحدرت حياتهما، واضطرت ماتيلدا للعمل كخادمة، في حين تخلى زوجها مونسيور عن حلمه بأن يصبح فـنانا عظيما. وبعد أعوام طويلة التقت ماتيلدا بالصدفة السيدة الثرية، التي فوجئت بملابسها الرثة، وحالتها الصحية البائسة، سألتها عن سـر بؤسها وسبب انتقالها المفاجئ فأخبرتها ماتيلدا لأول مرة بما حدث وكيف أن الديون قضت على حياتها ومستقبل زوجها.. السيدة الثرية وضعت يدها على فمها وقالت بذهـول: أوووه ياعزيزتي، لماذا لم تخبريني وقـتها، كان العـقد مزيفا ولا يساوى بضعة فرنكات!

وما حدث هنا مجرد مثال لما أسميه: (عقبة مالية مبكرة).

فرحلتنا مع المال طويلة، وتستغرق العمر كله، وليس من مصلحتك التعثر مبكرا.. يمكن تمثيل حياتنا بسباق عـدو طويل يحدد الإصرار (والنفس الطويل) من يصل لخط النهاية.

وهذا يعني أن المهم ليس كيف تركض، بـل كيف لا تـتعـثر، وترتكب أخطاء معوقة في بداية حياتك.. فـهناك تصرفات مالية خاطئة من شأنها تدمير خططك الاستثمارية حين ترتكبها في سن الشباب (مرحلة التأسيس والانطلاق).. ليس من الجميل أن تسـقط، أو تلتوي قدمك، أو يطير حذاؤك في بداية السباق، لأن هذا أكثر مأساوية من خروجك بسبب منافسة شريفة.

لا يمكنك بناء مستقبلك (ناهيك عن بناء ثروتك)، وأنت مكبل بالقروض والأقساط، وينتهي راتبك قبل خروجه من الصراف.. لا يمكنك الادخار والاستثمار وبناء الثروة، وأنـت مقيد بالتزامات وقـيود يصعب التخلص منهاــ أيا كان سببها.

وإن سألتني عن أربـعـة قـيود تكـبلنا في ســن مبكرة سأقول:

القروض (فلا تقترض قدر الإمكان).

والتقسيط (فلا تشتري بالآجل بجميع الأحوال).

والاستخدام المفرط لبطاقات الائتمان (وتسديد الحد الأدنى فقط).

ومحاولة العيش فوق مستوانا المادي (كـلبس عقد ألماس لا نملك ثمنه).

فهذه الأخطاء لا تقلل فقط فرصنا في الادخار والاستثمار وبناء الثروة، بــل وتدمر مستقبلنا المالي وتتراجع بمستوانا الاقتصادي حين نرتكبها في بـداية حياتـنا.

وانظر حولك لتكتشف مأساة ماتيلدا في كل مكان.

* القصة من تأليف الكاتب الفرنسي جي دو موباسان ونشرها لأول مرة في 17 فبراير 1884 في صحيفة لوجولوا تحت عنوان La Parure

 

نقلا عن الاقتصادية