لطالما اتهمت الولايات المتحدة غريمها التقليدي الصين بأنها تقدم قروضاً للدول الفقيرة لإغراقها في فخ الديون التي تعجز عن سدادها، فيما تروج بكين لاستثماراتها التجارية باعتبارها علاقات مربحة لكلا الجانبين، وبين النقيضين تبرز مساحة حرة للتدقيق في حقيقة الاتهامات الموجهة للصين بمحاولة تطويق أفريقيا بالديون المليارية؟، ومحاولة الحصول على إجابة شافية بشأن مساعي بكين المزعومة لبسط سيطرتها على موارد القارة السمراء، التي تستأثر بحوالي 30 في المائة من احتياطيات العالم من الهيدروكربونات والمعادن.
بداية، فإن لدى العملاق الآسيوى ثلاثة مصالح استراتيجية وأساسية في أفريقيا، أولها تسهيل الوصول إلى الموارد الطبيعية، وخاصة النفط والغاز والأحجار الكريمة والمعادن النادرة، حيث تستثمر الصين بكثافة في قطاعات النفط في بلدان مثل السودان وأنجولا ونيجيريا، وثانيها أن الاستثمارات في أفريقيا قد تسهل جهود إعادة هيكلة الاقتصاد الصيني بعيدًا عن الصناعات كثيفة العمالة، خاصة مع زيادة تكاليف
العمالة، وثالثها تعزيز نفوذها الدولي بشكل عام، ومحاولة تخفيف الأخطار الأمنية المحدقة بمصالحها الاقتصادية.
لتحقيق هذه المصالح الحيوية، منحت الصين خلال العقدين الماضيين قروضًا مالية للدول النامية تفوق كثيرًا ما قدمته الولايات المتحدة، إذ وصل مجموع القروض التي قدمتها الصين بين عامي 2014 و2017 إلى أكثر من 394.6 مليار دولار، في حين بلغ مجموع القروض الأمريكية خلال نفس الفترة 354.3 مليار دولار، ويعود تفوق الصين في هذا الاتجاه إلى أن فوائد قروضها تتراوح بين 10 و15%، بينما تتخطى فوائد القروض الأمريكية 25%، وهذا الأمر شجع الدول المختلفة للاقتراض من بكين بدلاً من واشنطن.
تشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي ديون أفريقيا الخارجية تلامس 417 مليار دولار، 20% منها مستحقة للصين، وهذا يجعل التنين الصيني أكبر دائن للقارة الأفريقية بنحو 143 مليار دولار، وهناك 17 دولة أفريقية ربما تعجز عن سداد قروضها للصين، حيث تتفاقم الأزمة بشكل خاص في ثلاث دول بعينها هي جيبوتي والكونغو وزامبيا، إذ تبلغ ديون زامبيا 8.7
مليار دولار، 6.4 مليار دولار منها مستحقة للصين، كما أن 77 % من ديون جيبوتي ملك للمقرضين الصينيين، فيما تقدر ديون الكونغو للصين بـ7 مليارات دولار.
لن يكون سهلاً على الدول الأفريقية المتعثرة الحصول على تنازلات كبيرة من الجانب الصيني، وبالتالي فإن الموجة الوشيكة للعجز عن سداد القروض ستمثل أكبر اختبار للنفوذ الصيني في أفريقيا، وهذا يمكن أن يؤدي إلى أكبر تغيير في العلاقات بين الطرفين منذ أصبحت الصين لاعبا اقتصاديا أساسيا في القارة السمراء، ونظرا لأنه لا يتم الإعلان عن الكثير من القروض الصينية للدول الأفريقية فإن هناك شكوكاً قوية تؤكد أن ديون أفريقيا للصين أكبر كثيرا من كل التقديرات، و هذا يعني أن الكثير منها لا يخضع للتدقيق والمحاسبة.
بالتأكيد فإن البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ليسا مؤسستين خيريتين، ومثلهما الصين لا يخلو أدائها من مصلحة، ولا يمكن فصل تصرفاتها الاقتصادية في أفريقيا عن صراع النفوذ مع القوى الكبرى، ومقارنة بمؤسسات إقراضية مهمة مثل نادي باريس (مجموعة مكونة من 22 دولة دائنة لا تشمل الصين)، ترى معظم الحكومات الأفريقية أن القروض الصينية تتميز بأنها
أسرع وأرخص، وبقيود أقل، فيما تتركز انتقادات النقابات العمالية، ومنظمات المجتمع المدني الأفريقية للشركات الصينية على ظروف العمل السيئة، والممارسات البيئية غير المستدامة، وتسريح العمال، وشطب الوظائف.
بالطبع، لم تقف بكين مكتوفة الأيدي إزاء تلك الانتقادات الغربية، فقد عدلت من سياساتها بهدف تهدئة مخاوف الأفارقة، عبر التركيز بشكل أكبر على الاستدامة في علاقاتها الاقتصادية والتجارية، وتعزيز القوة الناعمة والثقافة والتبادل الشعبي، والمشاركة الاستباقية في أمن واستقرار مناطق النزاع المسلح في أفريقيا، وبالرغم من أن هناك مشكلات إقراضية من نوع مختلف، إذ غالبًا ما تبرم الصين صفقاتها دون أي مناقصات مفتوحة، مما يتيح ثغرات للمحسوبية والعمولات، إلا أنه يمكن القول بأن فخاخ القروض الصينية اتهامات مبالغ فيها، فالأمر لا يعدو كونه عولمة ذات خصائص صينية، إذ تشير الوقائع إلى أن بكين لم تستحوذ على أي أصول ولم تلجأ إلى المحاكم لإجبار الدول المدينة على سداد ديونها، حيث تفضل بكين انتظار الدول المدينة حتى تطرح أصولها للخصخصة فتشتريها الشركات الصينية لسداد الديون كما حدث عندما باعت سريلانكا حصة الأغلبية في أحد الموانئ إلى شركة صينية عام 2017 لسداد ديون مستحقة للصين.
خاص_الفابيتا