تحفيز القطاع الخاص في ظل توقعات الركود العالمي

17/10/2022 0
عبد الحميد العمري

حقق القطاع الخاص أداء جيدا حتى منتصف العام الجاري، أنهاه بوصول معدل نموه الحقيقي إلى 8.3 في المائة بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، مدفوعا بنمو نشاط الصناعة "من دون الزيت وتكريره والغاز" بـ10.2 في المائة، ثم نمو نشاط الخدمات بـ5.7 في المائة، ما مكنه من المحافظة على مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عند 38.3 في المائة، وأن تتواصل وتيرة نموه الراهنة بمعدلات مطردة ليصل إلى المساهمة المستهدفة عند مستوى 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030. كما نجح في رفع معدل توظيف العمالة المواطنة لديه خلال الفترة نفسها بمعدل نمو سنوي قياسي وصل إلى 17.4 في المائة، كأعلى معدل نمو سنوي منذ الربع الأول 2016، وبوصول إجمالي العمالة المواطنة لديه إلى 2.1 مليون عامل، بمعدل توطين 23.3 في المائة، ومساهمته من ثم بخفض معدل البطالة إلى 9.7 في المائة، مقارنة بمستواها خلال الفترة نفسها من العام الماضي عند 11.3 في المائة.

وبالنظر إلى واقع التحديات الراهنة المختلفة إلى حد بعيد جدا عما واجهه الاقتصاد العالمي والمحلي أثناء وما بعد الجائحة العالمية لكوفيد - 19، من ارتفاع مطرد لمعدل الفائدة "تكلفة التمويل"، الذي تضاعف مقداره خلال أقل من عام مضى بنحو 5.6 مرة، ويتوقع استمرار ارتفاعه خلال العامين المقبلين على أقل تقدير، نتيجة لتوجهات البنوك المركزية حول العالم "منها البنك المركزي السعودي" للتصدي للتضخم المرتفع، ما يعني بدوره ارتفاعا مطردا في التكاليف المرتبطة بتمويل نشاطات القطاع الخاص. وعلى الرغم من أن معدل التضخم محليا لا يزال من أدنى المعدلات المسجلة عالميا 3.1 في المائة، إلا أنه سيواجه تحدياته الخارجية من خلال معاملاته مع اقتصادات يتجاوز التضخم فيها عدة أضعاف التضخم محليا "بلغ معدل التضخم العالمي 10.2 في المائة، وفقا لأحدث بيانات "بلومبيرج"، التي تعني مزيدا من الضغوط التضخمية على وارداته من جانب، وضغوطا تنافسية أكبر بالنسبة إلى صادراته. كما يواجه القطاع تسارع ارتفاع تكاليف إيجارات مقاره ومحاله، التي في الغالب يتجاوز معدل نموها ما سجله أخيرا الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن بنموه سنويا بنحو 3.6 في المائة "الأعلى منذ أيار (مايو) 2016". وتشكل تلك المتغيرات عوامل ضاغطة على أداء القطاع الخاص على عديد من المستويات، التي تتباين حسب النشاطات والأسواق والمواقع الجغرافية لمنشآت القطاع، ما يعني أنها تشكل ضغوطا أكبر على جزء من المنشآت في المدن الكبرى، ما سيضعف من قدرتها على النمو وزيادة فرص العمل، وهذا ما قد تظهر آثاره بدءا من الربع الأول من العام المقبل وما سيليه ــ إن لم تكن قد بدأت من الربعين الثالث أو الرابع من العام الجاري ــ، وقد ينعكس على معدل نموه الحقيقي بنهاية أي من الربعين حسبما ستنشره الهيئة العامة للإحصاء من بيانات.

أثبت الاقتصاد الوطني قدرة فائقة أثناء التصدي لآثار وتداعيات الجائحة العالمية كوفيد - 19، التي بادرت الدولة ــ أيدها الله ــ بدعم القطاع الخاص والاقتصاد الوطني طوال تلك الفترة، عبر عديد من المبادرات العملاقة، أسهمت بدرجة كبيرة في استقرار الاقتصاد والقطاع الخاص في وجه تلك التداعيات، واستمرت حتى في أثناء فترة استعادة تعافي الاقتصاد والقطاع، وكان لها ــ بعد توفيق الله ــ دور حاسم في تسجيل الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص معدلات النمو المتسارعة التي تحققت طوال العامين الماضيين.

ولاختلاف التحديات الراهنة عن تلك التي نتجت عن الجائحة، من حيث مداها الزمني المتوقع امتداده لعدة أعوام مقبلة تحت توقعات ركود الاقتصاد العالمي، والمنهجيات المتشددة التي أصبحت تعتمد عليها البنوك المركزية بصورة غير مسبوقة في منظور أكثر من أربعة عقود زمنية مضت، وما ترتب عليه من سقوط أغلب الدول الأقل دخلا والديون الخارجية المرتفعة في أزمات اقتصادية ومالية لم يسبق لها مثيل، أدخلتها في نزاعات داخلية واضطرابات هائلة، إضافة إلى تصاعد التحديات الجيوسياسية العالمية "منشؤها النزاع الروسي الأوكراني"، وما ترتب عليه من عقوبات اقتصادية غربية على الاتحاد الروسي، انعكست أصداؤها السلبية على الاقتصاد العالمي بأكمله، في الوقت ذاته الذي لم تتمكن بعد أجزاء واسعة من العالم من الخروج من تداعيات الجائحة العالمية. كل تلك التحديات وغيرها مما لا يتسع المجال المحدود هنا لذكرها بالتفصيل، ستكون لها بالتأكيد آثار عكسية على الاقتصاد المحلي عموما بنسب أدنى مقارنة بكثير من الاقتصادات، إلا أنها قد تكون مؤثرة إلى حد ما في القطاع الخاص، الذي يواجه تحديات داخلية، كما سبق ذكره أعلاه.

كل ما تقدم يشير إلى أهمية تبني سياسات ومبادرات مرحلية، تستهدف دعم استقرار القطاع الخاص بالدرجة الأولى، بما يؤهله للمحافظة على وجوده وعلى العمالة المواطنة لديه كهدف استراتيجي أول، وبالدرجة الثانية توفير عديد من خيارات دعم نموه وتوسعه ومساهمته في تعزيز النمو الاقتصادي بصورة مستدامة، إضافة إلى تعزيز قدرته على زيادة توظيف الموارد البشرية المواطنة. إنها المرتكزات المهمة جدا المؤمل أن تتسم بها المبادرات المنشودة لأجل القطاع الخاص بالتزامن مع توقعات الركود الاقتصادي العالمي خلال العامين المقبلين، كما أنها ــ بحمد الله وفضله ــ تقع في خانة الممكن تحقيقه قياسا على الموارد المالية القياسية التي أصبحت متوافرة لدى الاقتصاد الوطني، إضافة إلى جاذبيته أمام الاستثمار الأجنبي الباحث عن اقتصادات متحفزة لمزيد من النمو، وقبل ذلك تتمتع بالاستقرار السياسي والاجتماعي الذي تتفوق به بلادنا بحمد الله على كثير من الدول حول العالم، التي جاءت نتيجة الإصلاحات العملاقة تحت مظلة رؤية المملكة 2030.

ختاما، يمكن المبادرة سريعا بإقرار تلك السياسات والمبادرات قياسا على ما أصبح يمتاز به الاقتصاد الوطني، عبر الشراكات المتكاملة والمتنامية بين الحكومة والقطاع الخاص، والعمل بمنهجية فاعلة لأجل ترجمة تلك المستهدفات على أرض الواقع خلال فترة وجيزة.

 

 

نقلا عن الاقتصادية