تبدو الهند، صاحبة الاقتصاد الأسرع نموًا في العالم، عاجزة عن الصمود في وجه التداعيات الكارثية للجائحة، إذ تهاوى الناتج المحلي الإجمالي للدولة الآسيوية المهمة خلال الربع الأخير بنحو 24 في المائة، فيما يعد أسوأ تباطؤ لأي اقتصاد كبير منذ بدء تسجيل حالات الإصابة بفيروس كورونا، ولا شك أن هذا التراجع المذهل يعكس حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الإغلاقات، ويصور عمق التحدي الذي يواجه صانعي السياسة في الهند، وهم يصارعون اقتصادًا متعثرًا لم ينكمش لربعين متتاليين خلال 40 عامًا مضت.
يقيناً، فإن هذا النوع من الركود سيكون مدمرًا في سوق حيوي للعالم مثل الهند، حيث لا يحظى 9 من بين كل 10 عمال بأمن وظيفي أو تأمين ضد البطالة، مما يجعلهم بدون أي شبكة أمان اجتماعي، خاصة مع تلاشي الدخل المالي، وتفاقم ديون الأسر الهندية أثناء فترة الإغلاقات التي أرهقت بشكل أساسي ملايين الفقراء.
فاقم الإغلاقات الأكثر صرامة في العالم المتاعب الاقتصادية في الهند، عندما دعت الحكومة الهنود أواخر مارس إلى البقاء في منازلهم باستثناء الخروج للاحتياجات الأساسية، وتوقفت الرحلات الجوية والسفر بالقطارات، وأصاب الشلل معظم النشاط الاقتصادي، وفقد أكثر من 100 مليون شخص وظائفهم، وفرَّ ملايين العمال من المدن سيرًا على الأقدام إلى قراهم في نزوح تاريخي، لعدم قدرتهم على العيش بدون عمل.
في شهر مايو بدأت السلطات بتخفيف القيود، ورُفِع معظمها في يونيو، وبينما انخفضت معدلات البطالة إلى المستوى الذي كان سائدًا قبل الإغلاق، لا تزال مقاييس النشاط الاقتصادي ضعيفة، واستهلاك الكهرباء أضعف مما كان عليه قبل عام، وتقلص الإنتاج في ثمانية صناعات أساسية من بينها الصلب والإسمنت والغاز الطبيعي وتكرير النفط، بنسبة مئوية مكوَّنة من رقمين خلال شهر يوليو الماضي.
رغم أن قطاع الزراعة، الذي يوظف أكبر عدد من الهنود، أثبت مرونته خلال الجائحة، إلا أن الهنود لا زالوا قلقين بشأن المستقبل، بسبب عدم وجود لقاح للوباء المميت حتى الآن، والمستهلكون إما أنهم لا يملكون المال، أو يفضلون الادخار، لأنهم لا يعرفون
عدد الأشهر التي سيضطرون فيها للاعتماد على أموالهم المدخرة مع استمرار فقدان الوظائف، في الوقت الذي لم ترق فيه حزم التحفيز الحكومي للمستوى المطلوب لإنعاش الاقتصاد المتعثر، إذ لا تتجاوز حوالي واحد في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
رغم استمرار البنك المركزي في خفض معدلات الفائدة إلا أنه فشل في إيقاف التباطؤ، لأن الهند لديها بالفعل فائدة حقيقية تبلغ 2.2 في المائة، أي أقل من الدول الآسيوية النامية الأخرى، وهذا يعني أن السياسة النقدية لن تكون الحل السحري لاقتصاد ينحدر للأسفل، وقد يجبر البنك المركزي الهندي على زيادة التيسير الكمي عبر شراء القروض من البنوك ومصارف الظل، خاصة في ظل تراجع القروض المصرفية لأدنى مستوياتها بسبب تفاقم القروض الرديئة.
لكن، ما الذي يتعين فعله لإنقاذ الهند من ركودها المحبط والمعقد؟، الواقع أنه قد يكون من المناسب في حالة الهند اعتماد مزيج من السياسات الكلية والجزئية، والتي تشمل إصلاحات هيكلية طويلة الآجل، وتنظيف ميزانيات البنوك من القروض المتعثرة، واستحداث فرص استثمارية جديدة، وتنفيذ سياسات الصعود نحو مزيد من التحضر، والذي يعد أحد محركات النمو، إذ
سيساعد نقل بعض الريفيين المؤهلين من المزارع إلى المدن في تحسين الإنتاجية الزراعية المنخفضة، لأن الأرض سيزرعها حينئذ عدد أقل من المزارعين، فإذا عمل سكان الحضر الجدد بالصناعات التحويلية، كثيفة العمالة، فسترتفع الأجور بسرعة هائلة، وبالتالي سيؤثر هذا الأمر بشكل إيجابي على معدلات الانفاق الاستهلاكي، وزيادة الطلب المحلي في بلد يحوز سدس سكان العالم.
خاص_الفابيتا