من فترة لأخرى لابد من مراجعة حالة الدول القريبة، في هذا الصدد اطلعت على تقرير معهد اكسفورد للطاقة حول اقتصاديات الطاقة في العراق الذي نشر الأسبوع الماضي بعد تقرير مشابه صدر في نهاية 2018، نشرت فيه حينه عمودين عن اقتصاد العراق. استطاع العراق من مضاعفة إنتاج النفط ليصل 4.6 م برميل على مدى العقد الماضي تقريبا، ولكن النجاح في رفع الانتاج لم ينتج عنه تحول عميق في اقتصاد العراق لأسباب كثيرة منها انخفاض الأسعار في 2014، ثم انخفاض الأسعار على اثر الأزمة الكورونا. هناك حالة خاصة لكل دولة نفطية و خاصة لما تكون مثل ما تعرض له العراق على مدى 17 سنه و نصف الماضية من الحروب و سؤ الادارة والفساد و محاولة إيران السيطرة عليه. بالرغم من الظروف الموضوعية للعراق الا انه يختلف عن الدول النفطية الأخرى في حدة الدرجة فقط. جوهر الإدارة الاقتصادية يتمحور حول أوضاع الصناعة النفطية و المالية العامة والتفاعل بينهما. الإشكالية إن أسعار النفط لم تسمح للعراق لإكمال منظومة الطاقة لكي تدعم الاقتصاد بسبب شح و نقص الكفاءة في ادارة الأموال و صعوبة توزيعها بين الاستثمار في الطاقة و المصروفات العامة الثابتة و خاصة الرواتب.
لم تستطيع الحكومة اخراج ميزانية لعام 2020 لان الفجوة بين الدخل و المصروفات أصبحت كبيرة اذ وصل العجز التقريبي لشهر ابريل حوالي 4.1 مليار دولار. تشكل الرواتب و مدفوعات التقاعد حوالي 25% من الدخل القومي الاجمالي بعد ان كانت 14% في 2013 ، نسبة عالية يصعب التعامل معها في ظل الأوضاع المعيشية لجزء كبير من المجتمع العراقي. هناك اربعة ملايين موظف في القطاع العام منهم نصف مليون في الشركات الحكومية، و حوالي 2.5 مليون متقاعد ، فدخل النفط حتى عند 40 دولار لا يكفي لتشغيل الحكومة ناهيك عن الاستثمارات الرأسمالية الضرورية. دعم الكهرباء يصل بليون دولار شهريا في ظل تزايد الفجوة بين العرض و الطلب ، فحتى مع تحقيق قفزة جيدة تصل للثلث في التوليد الا ان العجز ارتفع بسبب نمو في الطلب يصل لحوالي 10% سنويا. يقدر الفاقد بحوالي 30% في نقل و توزيع الكهرباء بسبب ضعف البنية التحتية و الصيانه ،اذ تحتاج العراق حوالي 6 بليون دولار سنويا على مدى عدة سنوات لاصلاح القطاع، في ظل شح الأموال سوف تضطر الحكومة لتاجيل البعض منها على الاقل.
خيارات صعبة فبدون اصلاح القطاع يصعب ان يتحقق نمو اقتصادي و رفع الحياة المعيشية للكثير خاصة ان البعض يعتمد على كهرباء من مصادر خاصة باسعار عالية و ربما غير ممكنة للكثير، بينما إصلاحة مكلف و ربما غير ممكن في السنوات القليلة القادمة. الكهرباء يعتمد على الغاز و لكن تجميع الغاز و معلاجتة تأخرت حيث ينتج العراق 32 مليون متر مكعب و لكن لازال يحرق النصف.
الكهرباء و الصناعة البتروكيماوية تعتمد على توفير الغاز، هناك مشاريع لتجميع الغاز و لكن عدم توفر الأموال قد يسبب تأخير بعضها و لكن الاستثمارات النفطية أهم حيث انخفضت تقدير مستهدفات العراق لرفع الإنتاج من 8.94 مليون برميل إلى 6.38 في 2025 ، و حتى هذا قد يكون متفائل . احد أوجه التحدي ان مستوى الأسعار (عند 40 دولار ) ليس مغري طبقا لاتفاقيات الخدمات الفنية مع الشركات العالمية ، اذ ليس هناك حافز للشركات في الاستمرار مما قد يضطر الحكومة لإعادة التباحث مع الشركات و ربما تغيير طبيعة الاتفاقيات. كذلك تصل التحديات للمصافي لإنتاج أنواع الوقود المختلفة حيث يستورد العراق منتجات عادة بقيمة 2.5 مليار دولار سنويا. سعة المصافي تصل إلى 700 الف برميل يوميا و لكن الإنتاج اقل بسبب تغير أنواع النفط و إهمال الصيانة ، ايضا هناك مشاريع بعضها فقط سيرى النور بسبب نقص الأموال.
العراق بلد واعد خاصة في النواحي البشرية و لكنه مرحليا دخل في دائرة سلبية حيث أصبحت مصروفات التشغيل و خاصة الرواتب و مدفوعات التقاعد تستهلك الميزانية على حساب الاستثمارات الرأسمالية خاصة في البنية التحتية ، اذ دون استثمارات عامة مؤثرة لن يحقق الإقتصاد نمو مستدام بينما حاجة الناس تزداد. الخيارات صعبة في ظل رصيد 67 مليار دولار فقط. قدرة العراق على الاقتراض تضيق ايضا بسبب انخفاض اسعار السندات حوالي 30% و محدودية القطاع المصرفي العراقي على اقراض الحكومة. احد الخيارات تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار و تقليص المصروفات العسكرية خاصة ان الإرهاب انهزم و ليس هناك تهديد عسكري على العراق الا من المليشيات المدعومة من ايران و هذا شأن سياسي في المقام الأول. نظرا لتعقيد التحدي ربما يحتاج العراق عدة خطوات في آن واحد منها تخفيض الدينار وتحمل تبعات التضخم و تقليص مصروفات السلاح و تقليل الفساد و رفع مستوى ماهو موجود قبل الدخول في مشاريع جديدة والسيطرة على العلاقة مع ايران امنيا و تجاريا.
خاص_الفابيتا
تحياتي استاذ فواز الاوضاع القائمة أصلاً في العراق ما قبل الأزمة سوف تحدّ من قدرته على إدارة وتخفيف الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن انخفاض اسعار النفط، وتقليص حصص انتاج النفط، والمعوقات التي ولّدتها إجراءات العزل الخاصة بمواجهة تفشي فايروس كوفيد 19
شكرا edress صحيح ، اتفق مع كل ما ذكرت.
دول العالم الثالث والدول التى تحكمها دكتاتوريات تعانى من التضخم الوظيفى الحكومى حيث أن التوظيف الحكومى هو الرشوة التى يدفعها الحاكم الفاسد للناس حتى يرضوا عنه !
شكرا لك عاشق المعلومة أعتقد أن حالة تكيف قاتلة أكثر، فهي عمليا اسهل من البناء المؤسساتي