في مستهل هذه المقالة، لا بد من الإشارة إلى كتاب «تطبيق الاقتصاديات السليمة لمواجهة الأوقات العصيبة، حلول أفضل لأكبر مشكلاتنا»، الذي صدر عام 2019 لمؤلفيه أبهيجيت بانيرجي وإستر دولفو، الحائزين على «جائزة نوبل» في الاقتصاد في العام ذاته؛ حيث يرى مؤلفا الكتاب أن «تطبيق العلوم الاقتصادية بصورة سليمة من شأنه أن يساعدنا على حل أصعب المشكلات الاجتماعية والسياسية التي تواجهنا، من الهجرة إلى عدم العدالة، ومن تباطؤ النمو إلى تسارع التغير المناخي. لدينا الموارد اللازمة للتعامل مع التحديات التي تواجهنا، إلا أننا في أغلب الأحيان لا نرى ذلك بسبب الآيديولوجيات التي نؤمن بها». رأيت أن أستهل مقالتي بهذه العبارة التي تأثرت بها وأراها تنطبق كثيراً على العراق وعالمنا العربي الذي نحبه وننتمي إليه.
يواجه العراق أزمة مالية حادة ألقت بظلالها على جميع مرافق الحياة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من القطاعات جراء انخفاض أسعار النفط، هذا المورد الذي يعتمد عليه العراق بشكل شبه كامل في تمويل الموازنة، إضافة إلى ضعف مساهمة القطاعات الرئيسية في الاقتصاد العراقي - الزراعة والصناعة بكافة فروعها - في تعزيز موارد الموازنة.
إن من أهم أسباب حدوث الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة في العراق هو أنها ناجمة عن انخفاض أسعار النفط منذ منتصف عام 2014؛ إذ هبطت هذه الأسعار من معدل أكثر من 100 دولار للبرميل إلى أقل من 40 دولاراً للبرميل، أي فقد أكثر من 60 في المائة من قيمته، وأن انخفاض أسعار النفط دون السعر الذي اعتُمد في الموازنة يزيد العجز ويسبب عدم الاستقرار المالي. إضافة إلى أن القطاع الخاص العراقي مرتبط مباشرة بالدولة، وتهيمن عليه الشركات الصغيرة والصغيرة جداً التي تعمل أساساً في مجال تجارة التجزئة والبناء وخدمات النقل، وكذلك في الصناعة الخفيفة.
ورغم الاستراتيجية التي وضعت لتطوير القطاع الخاص في العراق، فإنه لا يزال يعاني من مجموعة من المشكلات التي تحول دون تطوره، ومنها الإطار التشريعي والتنظيمي غير المناسب، والمنافسة غير العادلة بين الحكومة العراقية (القطاع العام) والقطاع الخاص، وعدم وجود نظام حوكمة، وعدم كفاءة البنية التحتية وإمدادات الطاقة، ونقص العمالة الماهرة.
أدت الأزمة المالية إلى توقف التدفقات الاستثمارية وتدني الثقة بالاقتصاد العراقي، سواء من قبل المستثمر الوطني أو الأجنبي، مما سبب ركوداً اقتصادياً. فالعجز الكبير بالموازنة ارتفع إلى 19.5 مليار دولار عام 2019، وإلى 57 مليار دولار عام 2020 (ما يعادل 70.6 تريليون دينار عراقي)، وهي تمثل الفجوة التمويلية. كما بلغ الدين الإجمالي للعراق 132 مليار دولار (الدين الداخلي والخارجي)؛ إذ تعتمد الموازنة في تمويلها على عنصرين أساسيين هما: الإيرادات النفطية والإيرادات غير النفطية، بجانب الاقتراض المحلي والخارجي، هذا أدى إلى تقلص الإنفاق الحكومي في مجال الاستثمار، وخصوصاً في مجال صناعة النفط، كما توقف دعم مشروعات الاستثمار في قطاع الإسكان والبنى التحتية والإعمار والخدمات، وفي القطاعين الخاص والحكومي، مما أثر سلباً على الاقتصاد العراقي؛ حيث زاد عدد العاطلين عن العمل وارتفعت معدلات الفقر والبطالة والتضخم.
في ضوء ما تمت معرفته من آثار إيجابية وسلبية للاقتراض الخارجي، يمكن القول بأن اختيار أسلوب الاقتراض لحل الأزمات المالية، وإن كان حلاً آنياً مناسباً على المدى القصير، فإنه ليس بالحل الأمثل على المدى الطويل، ولن يؤتي بثماره الإيجابية على الاقتصاد، ما لم ترافقه سلسلة من الإجراءات والإصلاحات التي تساهم في حل الأزمة، وهي:
- خفض الإنفاق والتركيز في ضبط أوضاع المالية العامة على احتواء نمو النفقات الجارية؛ خصوصاً أجور القطاع العام، وتحديد أولويات النفقات الرأسمالية، وتعزيز الإيرادات غير النفطية، واعتماد سياسة مالية تعمل على زيادة تنويع مصادر الإيرادات المالية للدولة، وتوجيه السياسة المالية لزيادة الإنفاق الاستثماري وتنويع الهيكل الإنتاجي.
- التوجه نحو تنويع مصادر الدخل، من خلال إعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية المتنوعة ومساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، والتي تهدف إلى إيجاد قطاعات مولدة للدخل لكي ينخفض الاعتماد على القطاع النفطي، الأمر الذي يؤدي إلى رفع معدلات النمو في الأجل الطويل، والتخلص من المخاطر التي يفرضها الاعتماد شبه التام على النفط.
- تحفيز ودعم القطاع الخاص، ووضع برنامج لإشراك هذا القطاع في إدارة الاقتصاد، ومن خلال إعادة هيكلة القطاع الخاص، وبما ينسجم مع ما ورد في البرنامج الحكومي من تشجيع التحول الذي أطلقته الحكومة للقطاع الخاص، وتنفيذ استراتيجية تطويره للسنوات من 2014 إلى 2030.
إن التوجه إلى صندوق النقد الدولي ليس ملاذنا الأخير، إذ إن الحلول التي يقدمها مهمة ولكنها غير مستدامة؛ بل هناك خيارات مهمة كثيرة متاحة أمام العراق لمعالجة الأزمة المالية، وأولها استغلال الإمكانيات المادية المتوافرة في هذا البلد الكبير، ولعل أهمها مصادر الطاقة المتجددة، إذ يتمتع العراق بوفرة كبيرة في مصادر الطاقة المتجددة؛ خصوصاً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ حيث تقع معظم الدول العربية في منطقة الحزام الشمسي، متمتعة بأعلى فيض إشعاعي شمسي على مستوى العالم. كما يتمتع أيضاً بإمكانات جيدة في مجال طاقة الرياح لتوليد الكهرباء، علاوة على مصادر الطاقة المائية وطاقة الكتلة الحيوية. وفي إطار تخفيض الاستهلاك المستقبلي من النفط والغاز، وللحفاظ على البيئة وتخفيض الانبعاثات من محطات التوليد الحرارية، يصبح من الضرورة توجه العراق إلى زيادة الاعتماد على التوليد الكهربائي من محطات التوليد التي تعمل على الطاقات المتجددة لتلبية الطلب المحلي من ناحية، ثم التصدير لتوفير العملة الصعبة للموازنة من ناحية أخرى. وثانياً، يجب القيام بوضع إجراءات تمويلية تحفيزية لتعزيز نظام الابتكار الوطني ودعم ريادة الأعمال، من خلال رؤية وطنية طويلة المدى ومنظومة جيدة للعلوم والتكنولوجيا والابتكار. بالإضافة إلى تنويع مصادر الإيرادات المالية للدولة، وتوجيهها لزيادة الإنفاق الاستثماري، وتعزيز بناء مؤسسات تكنولوجية وابتكارية.
نقلا عن الشرق الأوسط
لا يختلف العراق كثيرا عن الدول النفطية الاخرى الا في الدرجة فهناك من لديه فساد اقل و هناك من لديه طبقة سياسية و تكنوقراطية اكثر او اقل مهنية ، و في الأخير يعتمد على حالة البداية ( initial conditions). للاسف العراق الجديد بدأ بحكومة المالكي و التي اصبحت مثال سئ للفساد والله ب بتوظيف حوالي مليون مواطن عراقي (عمل تكتيكي طيب و لكن خطوة استراتيجية مظللة )بالاظافة الى الاهتمام باقتصاد ايران على حساب العراق. لم يقدم المقالات اقتراحات للخروج من الازمة ربما لان المجال لايكفي،ولكن امام العراق طريق مصر او طريق الاصلاح ، ولكن الحل في اولويات الاقتصاد السياسي وليس في الادوات المالية.