هل الاقتصاد العالمي بحاجة إلى تحفيز إضافي؟

25/05/2020 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

تؤكد المؤشرات السلبية الراهنة والحرب الباردة الناشئة للتو بين القطبين الكبيرين أمريكا والصين، أن الاقتصاد العالمي لا زال بحاجة ماسة إلى مزيد من التحفيز المالي، حيث من المرجح أن تستمر إجراءات الإنقاذ حتى العام المقبل ليتمكن الاقتصاد من النمو بشكل أسرع، مع خفض معدلات البطالة، في ظل  دخول معظم الاقتصادات الكبرى والصغرى على حد سواء في انكماش تاريخي بسبب تداعيات فيروس كورونا، مما اضطر حكومات  العالم إلى اعتماد حزم تحفيز خلال الفترة من ديسمبر وحتي أبريل الماضي بتكلفة تتجاوز 5.5 تريليون دولار.

لم تقتصر الإجراءات الراهنة المتخذة من قبل الحكومات عند حدود خفض أسعار الفائدة، بعدما شهد شهر مارس نحو 65 عملية خفض لسعر الفائدة من جانب البنوك المركزية حول العالم، بل تضمنت أيضاً خططاً لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى مساعدة البنوك التجارية على إقراض المزيد من الأموال، ولكن في ظل الإعلانات المتتالية من كبرى الشركات العالمية والعلامات التجارية الشهيرة عن الإفلاسات وتسريح العمال والموظفين وخفض النفقات، فإن سؤالاً كبيراً يطرح نفسه بقوة حول كفاية تلك الحزم السابقة والتدابير لمواجهة نزيف الخسائر؟، ومدى فعاليتها في وقف الانهيار والمساعدة في تحسين أداء الاقتصاد الدولي؟.

لا شك أن التحفيز المستمر سيقلل من الخسائر الفادحة، ويقوي المناعة الاقتصادية للدول، وسيعدل بالنمو المتباطئ ليتخذ مساره الصحيح، لأنه وفقاً للاقتصادي البريطاني الشهير جون ماينارد كينز (1883– 1946م) مؤسس الاقتصاد الكلي الكينزي، فإن تحفيز الطلب عملية مستمرة حتى في ظل الصعود المطول، لأن العلاج الصحيح للدورة الاقتصادية لا يكمن في القضاء على الطفرات ثم إبقائنا بصورة دائمة في شبه هبوط، بل في القضاء على الهبوط ثم إبقائنا بصورة دائمة في شبه طفرة.

لا شك أن فارق جوهري بين الازمة المالية العالمية في عام 2008 والوضع الراهن، إذ أن النظام المالي كان يعد جوهر المشكلة في الازمة الأولى، ومن ثم كانت الحلول تتطلب بالأساس إجراءات مالية لمواجهتها، أما الازمة الناجمة عن كورونا فتتمثل في انخفاض الاستهلاك، فعلى سبيل المثال الناس لا تسافر، فتخسر شركات الطيران والفنادق، والمواطنين يمتنعون عن التجول في الأسواق فتخسر المحال التجارية، ولا أحد يذهب للمطاعم فيخسر القطاع الغذائي، ومن ثم فإن الخسائر التي يتعرض لها الاقتصادي العالمي مصدرها الطلب، وليس العرض، فالمصانع والشركات الكبرى لديها قدرة اقتصادية على مواصلة الإنتاج، لكن لا أحد يرغب في الشراء، وفي معظم الأحوال فإن المستفيد الأكبر من خفض أسعار الفائدة هم المستثمرين اللذين يقترضون من البنوك لتوسيع نشاطهم، أما المستهلكون فإن خفض الفائدة يعود عليهم بمكاسب محدودة وغير مباشرة.

لكن، إذا كانت السياسات النقدية غير مجدية في مواجهة الوضع الراهن، فما الذي يجب القيام به لمنع الانزلاق لما هو أسوأ؟، تؤكد المعطيات الراهنة أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي المتضرر الأكبر من تداعيات الفيروس القاتل، حيث ترتفع فيها معدلات الإفلاس، أما الشركات الكبيرة فستتجاوز الأزمة عبر عدة آليات من بينها إعادة الهيكلة وخفض النفقات والدعم الحكومي، وهذا يتطلب مزيداً من حزم الدعم المالي لإنقاذ الشركات الصغيرة والمتوسطة عبر تأجيل أو إلغاء ضرائبها، مع تقديم دعم مالي مباشر لتلك الشركات لتكون قادرة على مواصلة نشاطها الاقتصادي وحماية الوظائف.

بعيدًا عن التفسيرات الكلاسيكية، فإن الاقتصاد العالمي يشهد الآن العديد من التغييرات الجديدة والجوهرية، بعدما وضع أقدامه على بداية منحدر خطر، قد لا تكون نهايته محمودة إذا استمرت الأزمة خلال الشهور المقبلة، مما يجعل فداحة سنوات الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي أقل وطأة إذا ما قورنت بالأزمة الراهنة التي أفقدت العالم توازنه، وكشفت عن ضعف آليات المواجهة، لا سيما وأنها وضعت الحكومات أمام خيارين كلاهما مر، فإما محاصرة الفيروس وحماية صحة البشر، عبر عرقلة النشاط الاقتصادي، وإما استمرار الأنشطة الاقتصادية دون الالتفات إلى أهمية الوضع الصحي.

خاص_الفابيتا