نشر صندوق النفط الدولي تقريرا بحثيا بعنوان: مستقبل النفط والاستدامة المالية في دول مجلس التعاون -The Future Of Oil And Fiscal Sustainability In The GCC Region. أثار التقرير بعض الجدل الفكري وكثيرا من العاطفي دون قراءة موضوعية في الأغلب. بدأ بمحاولة الإجابة عن ثلاثة أسئلة، الأول: ما مستقبل سوق النفط في المدى البعيد؟ الثاني: ماذا يعني هذا المستقبل للمالية العامة في GCC؟ الثالث: ماذا يجب على هذه الدول اتخاذه للاطمئنان على الاستدامة المالية؟ الأحرى مراجعة إجابة التقرير عن هذه الأسئلة والتساؤل حول الفرضيات الظاهرة والضمنية في البحث، ومن ثم النظر في توصياته. لا أحد ينكر المخاطر من الاعتماد على مصدر رئيس للمالية العامة تعود المجتمع برمته على التعامل معها، ومدى الاحتمالات الممكنة، لكن هناك تحد منهجي لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة إلى حد الوصول إلى توصيات محددة خاصة في ظل ما ردده التقرير عن الخيارات الجيلية لهذه المجتمعات والقفز بين الثروة والاستدامة المالية في نحو 35 صفحة لموضوع مركب، خاصة أن هناك اختلافات معتبرة بين هذه الدول.
في سؤال مستقبل سوق النفط لم يأت التقرير بجديد، بل ربما أكثر تفاؤلا من "أوبك"، إذ تذكر "أوبك" أن ذروة الطلب ربما 2040، بينما التقرير يذكر 2041. علمتنا التجربة كيف تغير الحديث عن النفط من ذروة العرض إلى ذروة الطلب في أقل من عقدين، ولذلك أرى أن التوقعات بعيدة المدى مفيدة لكن غالبا غير عملية. طبعا هذا لا يمنع حقيقة أن نظام الطاقة العالمي يمر بتغيرات تضغط على السعر الحقيقي للنفط. ضمنيا هناك خلط آخر بين النفط كمصدر للطاقة واستعمالات النفط، خاصة أن الفحم ما زال مصدرا رئيسا لتوليد الكهرباء في الدول الأكثر نموا -الفحم خط الدفاع الأول عن النفط، بل إن توظيفه ارتفع في 2018. كما أن هناك تقسيما آخر من ناحية الغاز في ظل ما يرى أن ذروة الطلب على الغاز أقل حدة من النفط، فعمان وقطر والمملكة في مجموعة، بينما الدول الأخرى أقل حظا. كما أغفل التقرير دور الجهود المبذولة في قطاعات الطاقة المتجددة لهذه الدول.
يقسم التقرير دول المجلس ضمنيا إلى ثلاث مجموعات حسب ما يرى أنه مستوى المخاطر فالبحرين وعمان مجموعة، والمملكة والإمارات، وأخيرا الكويت وقطر مجموعة أخرى. رغم تنامي العجوزات المالية والدين العام للكل خاصة عمان والبحرين إلا أنني أعتقد أن أهم خطأ منهجي في التقرير هو محاولة التنبؤ بالاستدامة المالية من خلال قراءة اختيارية تمزج بين الثروة المجتمعية بكل تعقيداتها الخاصة والعامة أفقيا في ظل اقتصادات مفتوحة ورأسيا من حيث آفاق تفعيل عناصرها تركيبة سكانية فريدة قابلة للتعديل هيكليا مثل تقليص العمالة الوافدة وتعقيدات رفع مستوى التعليم ليكون مدخلا أكثر جودة للعملية الاقتصادية، ورغم المحاولات غير المتواصلة أحيانا إلا أن جهود السياسات العمالية في اتجاه الإصلاح دائما بما يترتب ذلك على دوران النقود والثروة وتحول الاقتصاد نحو الخدمات. حين يطمح التقرير إلى توقعات مالية في 2052 و2060 حول نقاط توازن مالية قد تبدو جاذبة للمحلل لكنها لا بد أن تكون خطأ أو حتى صحيحة لأسباب مختلفة تماما.
للإنصاف ذكر التقرير محاولات الإصلاح مثل الضريبة المضافة في المملكة والبحرين والإمارات، وتعديل الدعم في أسعار الطاقة والمنافع كي تكون أكثر عقلانية اقتصاديا، خاصة في المملكة. فمثلا تحسن متوسط التوازن المالي غير النفطي من عجز أكثر من 60 في المائة من GDP في 2014 إلى 44 في المائة في 2018، قفزة نوعية لدول المجلس بالمعايير العالمية. رغم أن صافي الثروة المالية سجل انخفاضا في الفترة 2014 - 2018، لكنه استمر في عمان والبحرين وأصبح إيجابيا في المملكة والإمارات، بينما استمر إيجابيا في الكويت وقطر. يذكر التقرير أن محاولة تنويع القاعدة الاقتصادية وحدها لن تكفي للتعامل مع التحديات المالية بسبب أن الفترة الزمنية مختلفة السرعة بين المال والاقتصاد. اختزال قياس الثروة تحت الأرض وفوقها وإدارة المال وخيارات السياسات في أرقام ونسب طويلة الأجل لا بد أن يكون خطأ، خاصة أن لدى هذه الدول تجارب في وفرة وشح المال منذ عقود، لكن هذا لا يمنع من تركيز الأذهان والخروج بسيناريوهات خاصة في كل دولة كما تعمل الجهات المختصة في المملكة والتعامل مع الاستحقاقات المالية مثل رفع مستوى فعالية القوى الاقتصادية بدقة وحرص.
تقرير IMF .. مستقبل النفط والاستدامة المالية
نقلا عن الاقتصادية
لاشك انه لايوجد وفر مالي دائم ولا عجز دائم ومن بديهات الاقتصاد السليم استغلال فترات الوفر للتصدي لفترات العجز من خلال ضبط الانفاق وجودته التركيز على المشاريع الانتاجيه النوعيه ذات القيمة المضافه وايقاف الهدر المالي والمشاريع التي تعتبر محرقه للاموال دون عوائد تذكر وتخفيف الاعتماد على العماله الوافده بشكل كبير والاعتماد على ابناء الوطن خاصه اذا ماعلمنا ان البطاله بين ابناء دول الخليج كبيره جدا رغم اختلاف نسبها من بلد الى اخر . والتعامل مع تقارير صندوق النقد باقصى درجات الحذر .