إحدى ظواهر العصر الحديث التحول في سطوة "الماليات" Financialization من آلية "قياس وتخزين للقيمة" لإدارة الاقتصاد إلى صناعة مستقلة كبيرة تؤثر في إدارة الاقتصاد بشكل سلبي أحيانا. الحديث عن العلاقة بين النقود والمال والاقتصاد ليس جديدا لكن موضوع هذا العمود ظاهرة بدأت في الغرب في الثمانينيات من القرن الماضي مع التحرر المالي والاقتصادي الذي نتج عن سياسات ريجان وتاتشر في أمريكا وبريطانيا "سأتعرض للحالة لدينا لاحقا"، ولكن المهم أن نعي السياق والتوجهات. توصيف دور المال في عالم اليوم يمر بحالتين على الرغم من الاختلاف الموضوعي بينها إلا أن هناك علاقة مهمة ومتغيرة. الأولى، ما حدث في الدول النامية عموما، خاصة الرئيسة مثل الصين والهند وحتى المملكة، حيث تطور القطاع المالي لخدمة تحولات اقتصادية؛ فلن يحدث تطور اقتصادي دون قطاع مالي حيوي، الأخرى ما حدث في الدول الغربية التي قادت التطورات المالية بعد تحرير القطاع وتخفيض الضرائب وتحجيم دور النقابات العمالية كما حدث من قبل إدارة ريجان في أمريكا وثورة مارجريت تاتشر في بريطانيا مع بداية الثمانينيات.
هذه التغيرات أدت إلى تعاظم دور القطاع المالي في الاقتصاد وما صاحب ذلك من تباطؤ في الإنتاجية في الاقتصاد غير المالي وبالتالي الشكوك المشروعة في مدى القيمة المضافة من التوسع في القطاع وتنوع منتجاته إلى أن وصلنا إلى الأزمة المالية العالمية التي بدأت في أمريكا وفي منتجات "الماليات" العقارية بالتحديد. التحول للماليات حدث على عدة مراحل وأشكال ففي بريطانيا حدث تحول رقابي كبير من خلال ما يسمى الانفجار الكبير Big Bang، حيث أصبحت لندن مركزا ماليا للاستثمارات والمنتجات المالية، وأمريكا كسرت الحواجز الرقابية بين التجزئة المصرفية والمصرفية الاستثمارية، ما سمح للمصارف الكبيرة خاصة باستعمال الودائع في الاستثمار في أدوات مالية جديدة أعلى خطورة دون تجارب طويلة إلى أن أدت هذه المخاطر إلى فشل هذه المصارف وما تبعها من أزمة مالية ثم اقتصادية حين حدث أقسى ركود اقتصادي منذ الحرب الثانية.
وما زال العالم يتعامل مع بعض تبعات هذا التطور. إحدى التبعات أنه حدث تغير ثقافي مهم في النظر إلى القطاع المالي.
كان الجميع يرى المصرفيين شخصيات محافظة تتمتع بدور اجتماعي جيد وجزء من الطبقتين العليا والوسطى المرموقتين ولكن بعد التحرير المالي أصبحوا أكثر حرصا على المال الشخصي من حماية المؤسسات المالية التي يديرونها وعدم الاهتمام بالمدى البعيد - هناك إجماع على أن النظرة القصيرة جعلتهم على استعداد "من خلال اختراع مشتقات مالية كثيرة لا تضيف قيمة لكنها تتصف بالعلمية لأنها تأخذ من الرياضيات أساسا للطرح والمشروعية" لقبول مخاطر أعلى للحصول على مكافآت سريعة وعالية بسبب الرغبة الجامحة في أخذ مخاطر أعلى، وهذا سبب فشل كثير من المصارف والشركات المالية. في عمود الأسبوع المقبل نتعرض لمحاولة الإصلاحات والظروف الخاصة في المملكة.
نقلا عن الاقتصادية
هذه التغيرات أدت إلى تعاظم دور القطاع المالي في الاقتصاد وما صاحب ذلك من تباطؤ في الإنتاجية في الاقتصاد غير المالي وبالتالي الشكوك المشروعة في مدى القيمة المضافة من التوسع في القطاع وتنوع منتجاته إلى أن وصلنا إلى الأزمة المالية العالمية التي بدأت في أمريكا وفي منتجات "الماليات" العقارية بالتحديد. التحول للماليات حدث على عدة مراحل وأشكال ففي بريطانيا حدث تحول رقابي كبير من خلال ما يسمى الانفجار الكبير Big Bang، حيث أصبحت لندن مركزا ماليا للاستثمارات والمنتجات المالية، وأمريكا كسرت الحواجز الرقابية بين التجزئة المصرفية والمصرفية الاستثمارية، ما سمح للمصارف الكبيرة خاصة باستعمال الودائع في الاستثمار في أدوات مالية جديدة أعلى خطورة دون تجارب طويلة إلى أن أدت هذه المخاطر إلى فشل هذه المصارف وما تبعها من أزمة مالية ثم اقتصادية حين حدث أقسى ركود اقتصادي منذ الحرب الثانية.
وما زال العالم يتعامل مع بعض تبعات هذا التطور. إحدى التبعات أنه حدث تغير ثقافي مهم في النظر إلى القطاع المالي.
كان الجميع يرى المصرفيين شخصيات محافظة تتمتع بدور اجتماعي جيد وجزء من الطبقتين العليا والوسطى المرموقتين ولكن بعد التحرير المالي أصبحوا أكثر حرصا على المال الشخصي من حماية المؤسسات المالية التي يديرونها وعدم الاهتمام بالمدى البعيد - هناك إجماع على أن النظرة القصيرة جعلتهم على استعداد "من خلال اختراع مشتقات مالية كثيرة لا تضيف قيمة لكنها تتصف بالعلمية لأنها تأخذ من الرياضيات أساسا للطرح والمشروعية" لقبول مخاطر أعلى للحصول على مكافآت سريعة وعالية بسبب الرغبة الجامحة في أخذ مخاطر أعلى، وهذا سبب فشل كثير من المصارف والشركات المالية. في عمود الأسبوع المقبل نتعرض لمحاولة الإصلاحات والظروف الخاصة في المملكة.
نقلا عن الاقتصادية