المرض الهولندي Dutch Disease بعبارة مبسطة غير فنية ــ ربما إلى حد الإخلال في نظر بعض أهل الاختصاص ــ يقصد به تضرر قطاع مزدهر من جراء ازدهار سريع "رواج" أقوى لقطاع آخر. وأصل إطلاق هذه العبارة كان على الآثار غير المرغوب فيها على الصناعة الهولندية من جراء اكتشاف الغاز الطبيعي في القرن الـ19 الميلادي. ذلك أن هذا الاكتشاف تسبب في آثار على الاقتصاد الهولندي، مثل زيادة دخل إنفاق الحكومة، وزيادة أجور اليد العاملة الهولندية، مقارنة بالأجور في ألمانيا، وارتفاع سعر الصرف الاسمي والحقيقي للعملة الهولندية. وهذه الآثار أدت إلى ضعف منافسة الصناعة الهولندية في الداخل والخارج، ومن ثم أصابها الانكماش.
وقد شخص المرض الهولندي خلال عقود من الزمن في بيئات صناعية مختلفة، ارتفعت فيها أجور اليد العاملة وأسعار الصرف الحقيقية ارتفاعا سريعا.
وهنا أشير إلى أن أسعار الصرف المعتاد سماعها هي أسعار صرف اسمية، لأنها لا تعكس فروقات مستوى الأسعار بين الدول. أما أسعار الصرف الحقيقية فتعطي أسعار سلع وخدمات دولة، مقارنة بأسعار سلع وخدمات دولة أو دول أخرى، ولذلك فهي تعتمد على الشيئين أسعار الصرف الاسمية ومستويات الأسعار في الدول.
وهنا يثار سؤال: ماذا بشأن اقتصاد وقطاعات غير متطورة أصلا والرغبة قوية في تطويرها، لكن هذه الرغبة متضررة من آثار ازدهار وثراء سريع قوي أصاب قطاعات أخرى؟ هذا الوضع أصاب قطاعات في اقتصادات نفطية نامية كاقتصاد بلادنا. وقد رأيت تسميته شبيه المرض الهولندي.
نعرف حصول ارتفاع كبير في أسعار النفط في أواخر القرن الهجري الماضي. وتبعا لذلك، زادت مالية الدولة وتحسنت معيشة الناس، وهذا أمر معروف. لكن كان لهذا الارتفاع آثار سلبية عبر ما عبر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالإدمان على النفط. من هذه الآثار أن ضعفت التنافسية وأهمية العمل وزاد الاعتماد أكثر على الوافدين، وزادت مصاعب تطوير قطاعات إنتاجية كالصناعة.
ارتفاع عائدات النفط الكبير، الذي حصل أواخر القرن الهجري الماضي أدى إلى ارتفاع أسعار الصرف الحقيقية في المملكة، ومن ثم إلى اتساع حصة قطاع الخدمات، وتباطؤ وضعف شديد في نمو قطاعي الزراعة والصناعة، إلا بدعم قوي من المالية العامة. ومعروف أن المصدر الأهم لها أموال النفط، وهذه مفارقة. إذا كانت إيرادات النفط قد تسببت في ارتفاع أسعار الصرف، فهي في المقابل استعملت في تمويل ما أتيح لقطاعي الزراعة والصناعة من حوافز.
وزيادة على ما سبق، ارتفاع أسعار الصرف كان سلاحا ذا حدين للقطاع الصناعي، فهو يخفض من أسعار السلع المستوردة النهائية "الاستهلاكية"، ومن ثم يجعلها أقوى في منافسة الإنتاج المحلي، وهو يرفع أسعار الصادرات المقومة بالريال. لكنه أيضا يخفض تكلفة إنتاج السلع محليا، لأنه يخفض تكلفة استيراد الآلات والمواد الخام واليد العاملة، وهذه عوامل أساسية في تحديد تكلفة الإنتاج. والخلاصة أن هناك قوتين أو تأثيرين متعارضين، ويبقى تحديد أيهما أقوى.
هناك مؤشرات إحصائية سهلة تعطي فكرة ابتدائية عن أيهما أقوى أي عن وجود شبيه المرض الهولندي من عدمه. أما الحصول على نتائج أدق فيتطلب عملا قياسيا، ليس المقال مكانه. من هذه المؤشرات مقارنة معدلات نمو كل من القطاع الخدمي والقطاع الصناعي التحويلي خلاف تكرير النفط.
معدل نمو قطاع الصناعة خلال "1975 ــ 2017" كان يقارب نصف معدل نمو أنشطة الخدمات، خاصة قطاعات تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والبناء والكهرباء، والنقل والاتصالات وخدمات الإدارة الحكومية.
ويلحظ أن مساهمة قطاع الخدمات في السنوات العشر الأخيرة انخفضت قليلا، مع تحسن بسيط لمساهمة الصناعة التحويلية خلاف التكرير. ويفهم من هذا أن تأثيرات المرض الهولندي انخفضت انخفاضا بسيطا في السنوات الأخيرة. ولعل أحد الأسباب انخفاض أسعار النفط، ومسار أسعار الصرف في سنوات خلت. وتستهدف "الرؤية" محاربة أو إضعاف هذا المرض أو بعبارة أدق الإدمان على النفط، بما يرى أنه العلاج الأنسب. وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
وقد شخص المرض الهولندي خلال عقود من الزمن في بيئات صناعية مختلفة، ارتفعت فيها أجور اليد العاملة وأسعار الصرف الحقيقية ارتفاعا سريعا.
وهنا أشير إلى أن أسعار الصرف المعتاد سماعها هي أسعار صرف اسمية، لأنها لا تعكس فروقات مستوى الأسعار بين الدول. أما أسعار الصرف الحقيقية فتعطي أسعار سلع وخدمات دولة، مقارنة بأسعار سلع وخدمات دولة أو دول أخرى، ولذلك فهي تعتمد على الشيئين أسعار الصرف الاسمية ومستويات الأسعار في الدول.
وهنا يثار سؤال: ماذا بشأن اقتصاد وقطاعات غير متطورة أصلا والرغبة قوية في تطويرها، لكن هذه الرغبة متضررة من آثار ازدهار وثراء سريع قوي أصاب قطاعات أخرى؟ هذا الوضع أصاب قطاعات في اقتصادات نفطية نامية كاقتصاد بلادنا. وقد رأيت تسميته شبيه المرض الهولندي.
نعرف حصول ارتفاع كبير في أسعار النفط في أواخر القرن الهجري الماضي. وتبعا لذلك، زادت مالية الدولة وتحسنت معيشة الناس، وهذا أمر معروف. لكن كان لهذا الارتفاع آثار سلبية عبر ما عبر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بالإدمان على النفط. من هذه الآثار أن ضعفت التنافسية وأهمية العمل وزاد الاعتماد أكثر على الوافدين، وزادت مصاعب تطوير قطاعات إنتاجية كالصناعة.
ارتفاع عائدات النفط الكبير، الذي حصل أواخر القرن الهجري الماضي أدى إلى ارتفاع أسعار الصرف الحقيقية في المملكة، ومن ثم إلى اتساع حصة قطاع الخدمات، وتباطؤ وضعف شديد في نمو قطاعي الزراعة والصناعة، إلا بدعم قوي من المالية العامة. ومعروف أن المصدر الأهم لها أموال النفط، وهذه مفارقة. إذا كانت إيرادات النفط قد تسببت في ارتفاع أسعار الصرف، فهي في المقابل استعملت في تمويل ما أتيح لقطاعي الزراعة والصناعة من حوافز.
وزيادة على ما سبق، ارتفاع أسعار الصرف كان سلاحا ذا حدين للقطاع الصناعي، فهو يخفض من أسعار السلع المستوردة النهائية "الاستهلاكية"، ومن ثم يجعلها أقوى في منافسة الإنتاج المحلي، وهو يرفع أسعار الصادرات المقومة بالريال. لكنه أيضا يخفض تكلفة إنتاج السلع محليا، لأنه يخفض تكلفة استيراد الآلات والمواد الخام واليد العاملة، وهذه عوامل أساسية في تحديد تكلفة الإنتاج. والخلاصة أن هناك قوتين أو تأثيرين متعارضين، ويبقى تحديد أيهما أقوى.
هناك مؤشرات إحصائية سهلة تعطي فكرة ابتدائية عن أيهما أقوى أي عن وجود شبيه المرض الهولندي من عدمه. أما الحصول على نتائج أدق فيتطلب عملا قياسيا، ليس المقال مكانه. من هذه المؤشرات مقارنة معدلات نمو كل من القطاع الخدمي والقطاع الصناعي التحويلي خلاف تكرير النفط.
معدل نمو قطاع الصناعة خلال "1975 ــ 2017" كان يقارب نصف معدل نمو أنشطة الخدمات، خاصة قطاعات تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والبناء والكهرباء، والنقل والاتصالات وخدمات الإدارة الحكومية.
ويلحظ أن مساهمة قطاع الخدمات في السنوات العشر الأخيرة انخفضت قليلا، مع تحسن بسيط لمساهمة الصناعة التحويلية خلاف التكرير. ويفهم من هذا أن تأثيرات المرض الهولندي انخفضت انخفاضا بسيطا في السنوات الأخيرة. ولعل أحد الأسباب انخفاض أسعار النفط، ومسار أسعار الصرف في سنوات خلت. وتستهدف "الرؤية" محاربة أو إضعاف هذا المرض أو بعبارة أدق الإدمان على النفط، بما يرى أنه العلاج الأنسب. وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية