كانت شعوب العالم بدائية وتعتمد على رعي الماشية، وتتبع المطر والحل والترحال أينما وُجد الكلأ، ووفق ابن خلدون، فإن المدن بناها البدو، حيث إنهم في حلهم وترحالهم إذا وجدوا الماء تحولوا من رعي الماشية إلى الزراعة، أي تحضروا، والعرب مثلهم مثل شعوب الأرض، تحولوا من البادية إلى الزراعة والتحضر، بعد ذلك قامت الثورة الصناعية، وللأسف تخلف العرب صناعياً، وفي بداية استقلال الدول العربية، بدأ زعماؤها يبشرون من على المنابر، وبخطب نارية، بقدوم ثورة صناعية تنقل العالم العربي من ضفة الدول المتخلفة إلى ضفة الدول المتقدمة، لكن ذلك مع الأسف لم يحدث، بل زاد تخلفنا الصناعي، العالم العربي لا ينقصه شيء، فلديه الموارد والمال والبشر، وكل الذي ينقصه التكامل والتشريعات التي تحمي حقوق المستثمرين، وقبل ذلك الإرادة السياسية التي تقرر التحول للصناعة، صحيح أن العالم العربي يمر بأوضاع سيئة للغاية وهو في طريقه للتشظي، لا سمح الله، ولكن هذا هو المتوقع في ظل الظروف الراهنة، فلا الأوضاع في ليبيا جيدة، ولا هي في السودان طيبة، ولكن، لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً.
المهم، نعود لموضوعنا، فلو قامت الجامعة العربية بحصر فرص التصنيع في الدول العربية وحددت طرق التكامل لوجدت هذه الفرص الصناعية مستثمرين يقبلون عليها، والتصنيع يفتح الفرص الوظيفية أمام الناس، ويزيد الدخل القومي للشعوب، ويجلب العملة الصعبة للبلد عبر تصدير منتجات هذه المصانع، ويمكن للجامعة العربية فتح مركز لتدريب القوى العاملة بالتعاون مع الدول المحتاجة لهذه اليد العاملة في نشاط معين، ويمكن تصدير هذه العمالة خارج الوطن العربي، فمن المعيب أن يستقدم العالم العربي ممرضاً أو ممرضة للعمل في مركز صحي في أمة تعدادها 400 مليون نسمة.
للأسف غالبية اقتصادات العالم العربي قائمة على الخدمات وقليل من الصناعات، وهذا لا يكفي، فيمكن للعالم العربي أن يتقدم صناعياً، وكل الظروف مهيأة لذلك إذا توفرت الإرادة السياسية، ووضعت نظم الحماية التي تحمي الصناعة من ظروف التقلبات السياسية.
العالم يمر بثورة علمية شاملة، ونحن العرب لم نستطع اللحاق بالثورة الصناعية لنلحق بالركب، وذلك لكثرة خلافاتنا وعدم السعي لتكاملنا الصناعي والاقتصادي والعلمي، والشعوب العربية تتطلع للتقدم الصناعي الذي يحقق لها الرفاه. ودمتم.
نقلا عن الشرق الأوسط