سوق الإسكان وطفراتها من وجهة اقتصاد كلي

14/04/2025 5
د.صالح السلطان

نشهد غلاء وفجوة كبيرة بين العرض والطلب في سوق الإسكان، وفي مدينة الرياض خاصة. ويعرف الأخوة القراء توجيهات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء، لتحسين سوق الإسكان، ودفعه نحو التوازن بين العرض والطلب، وخاصة في مدينة الرياض، هناك عوامل تزيد من العرض وتخفض متوسط أسعار الأراضي أو على الأقل تحد من ارتفاعها، وهناك عوامل معاكسة في التأثير، تزيد الطلب و التكاليف. من أمثلة العوامل المخفضة: هبوط أسعار النفط الملموس لفترة طويلة نسبيا، وفرض التطوير على أصحاب الأراضي داخل النطاقات العمرانية، أو دفع رسوم على بقائها بيضاء، وبرامج الدولة الإسكانية بما يزيد من العرض، وخاصة في الضواحي مع توفير نقل عام شامل بين داخل المدن وضواحيها.

من أمثلة العوامل المعاكسة في التأثير، وخاصة داخل المدن الكبيرة: تحسن نسبي في أسعار النفط ونمو الاقتصاد المحلي والعالمي وزيادة السكان وتوسع المدن وتوسع و تسهيل التمويل وإجراءات وتكاليف التطوير والخدمات العامة واحتياجها إلى تمويل ووقت كبيرين. طبعا قد تجتمع عوامل مخفضة وعوامل معاكسة في التأثير والغلبة للأقوى. ماذا عن تقنيات البناء الأقل تكلفة من التقنيات التقليدية؟ انخفاض تكلفة البناء تزيد من الطلب على الأراضي.

هناك طلب كامن. من ذلك أن الرغبة في عقار في المدن الكبيرة طبعا أعلى كثيرا من الرغبة في عقار مماثل في غيرها. وهذه الرغبة تزيد من صنع الطلب الكامن. لذا فإنه يلاحظ عالميا أن العرض المناسب داخل المدن الكبيرة وفي الوقت المناسب لا يكفي لتلبية الطلب. لهذا لا يتوقع حصول انخفاض كبير في أسعار الأراضي داخل تلك المدن خاصة، إلا في حالة سياسات تزيد كثيرا من عرض الأراضي وخاصة إذا صاحبتها تكاليف مدعومة، وتوفر وسائل نقل عام شاملة واسعة الانتشار في المدن وأريافها.

ماذا عن رسوم الأراضي البيضاء السنوية؟ تقلل من بقاء الأراضي بيضاء، لأنها تكلفة على هذا البقاء. وطبيعة نظام الرسوم على الأراضي البيضاء يحدد مدى تأثيرها. لكن من المهم التنبيه على نقطة. تأثير عوامل مثل الرسوم السنوية أو الضرائب لا تعمل منعزلة عن تأثير عوامل أخرى على أسعار الأراضي. أي أنه قد توجد عوامل في الوقت نفسه تأثيرها يعاكس تأثير الرسوم. وللتشبيه، مثل حصول ارتفاع في دخل فرد من الناس وغلاء في سعر سلعة. ارتفاع الدخل يزيد الطلب لكن الغلاء أو ارتفاع الأسعار يخفض الطلب. والأغلب أن ارتفاع الدخل يجلب قدرا من الغلاء. ولا يعني ذلك أن نلغي تأثير أحدهما عند غلبة تأثير الآخر.

نسبة سعر الأرض إلى سعر المسكن تزيد مع ازدياد حجم المدن على مستوى العالم. ويشمل ذلك حتى الدول ذات الكثافة السكانية المنخفضة (كندا واستراليا مثالان). والمعلومات متاحة لمن أراد أن يتأكد. من أهم الأسباب أن تكاليف التطوير وتوفير المرافق والخدمات للسكان مرتفعة أصلا، وتتطلب إنشاء وتشغيلا موارد مالية هائلة ووقتا طويلا.

وأيضا تزيد تكاليف الحياة المعيشية والتطوير وتوفير المرافق وتشغيلها وصيانتها للفرد أو المتر المربع مع توسع المدن وزيادة سكانها. بالمقابل، لوحظ أن الأجور لا تزيد بالمستوى نفسه زيادة التكاليف في المدن الكبيرة. وقد كانت هذه الموضوعات مجال دراسات في دول عديدة، ضمن تخصص اقتصاد التجمع أو التكتل economics of agglomeration. بناء نظام ادخار إسكاني يساعد على توفير جزء كبير ما يسمى الدفعة المقدمة. وهذا النظام ليس بجديد حيث تطبقه شركات ودول.

من المفيد جدا التوسع في بناء ما يسمى تاون هاوس على مساحات تسهل على كثيرين تملك مساكن بأقساط مناسبة لدخولهم. كما من المفيد جدا توفير النقل العام الواسع الشامل داخل المدن، وخاصة الكبيرة، ومع أريافها والمحافظات القريبة منها، بما يتيح للساكنين في تلك الأرياف والمحافظات وسيلة مريحة ورخيصة للذهاب والإياب يوميا إلى أماكن العمل والتعليم الجامعي داخل المدن. هذا الأسلوب تعمل به مدن كبيرة كثيرة في العالم. والسبب الأول غلاء السكن والمعيشة داخل المدن الكبيرة. وبالله التوفيق.

 

 

نقلا عن الاقتصادية