حين تتساءل؛ ما أكبر خمسة سلبيات على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في أي بلد نام كان؟ فإنك لن تجد أيا منها خارج الدائرة التالية: (1) البطالة، (2) مشكلة صعوبة تملك المساكن، (3) الفساد المالي والإداري، (4) التستر التجاري، (5) تعاظم تفاوت الدخل بين طبقات المجتمع.
ولا عجب إطلاقا، أن تجد تلك السلبيات الاقتصادية والاجتماعية، يغذي بعضها بعضا من جانب، ومن جانب آخر أن تراها تمتص خيرات ومقدرات البلاد والعباد دون توقف! وهذا حديث أخذ حقه من النقاش والبحث والحوار طوال سنوات مضت، طواه طيا ما شهده ويشهده الاقتصاد الوطني عبر إصلاحاته الجذرية والعميقة، التي بدأت بقوة غير مسبوقة مع منتصف 2016، تحت مظلة "رؤية المملكة 2030"، وبما تضمنته من برامج تنفيذية عديدة وواسعة، حمل كل برنامج منها على عاتقه ملفا تنمويا، تتولى تنفيذه الأجهزة الحكومية كل حسب مسؤولياته المنوطة به، ووفق منظومة عمل متكاملة ومشتركة، تخضع في كل مرحلة من مراحلها لآليات رقابة ومتابعة بالغة الصرامة.
نأتي الآن إلى أحد ألد أعداء الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، المتمثل في "التستر التجاري"، الذي أطلقت وزارة التجارة والاستثمار لأجل محاربته والقضاء عليه "البرنامج الوطني لمكافحة التستر"، بمشاركة عشر جهات حكومية، مستهدفا إيجاد حلول جذرية للتستر التجاري، من خلال توحيد الجهود، وتطوير الأنظمة والتشريعات، وتعزيز التوعية، وأن يكون البرنامج ذراعا ممكنة للمواطنين للتملك وممارسة الأعمال في مختلف القطاعات التجارية والاستثمارية، وليعمل على تهيئة الظروف المناسبة مع تقديم الدعم والمساندة وإتاحة برامج التمويل المختلفة، كما سيلزم المنشآت بتطبيق الحلول التقنية بما يسهم في تنظيم التعاملات المالية، ويحد من خروج الأموال بطرق تضر بالاقتصاد الوطني.
ولنعلم أي خطر داهم أصبح يشكله تغلغل التستر التجاري في اقتصادنا ومجتمعنا، هل سأل أحد منا نفسه؛ كم عدد وحجم آلاف الفرص الاستثمارية التي سرقها التستر التجاري طوال عقود مضت؟ وكم عدد مئات الآلاف من فرص العمل الكريمة التي اختطفها التستر التجاري؟ وكم مئات المليارات من الأموال التي ذهبت أدراج الرياح خارج حدود بلادنا نتيجة استشراء هذا الداء الفتاك؟ ليست مبالغة هنا ما يجري الحديث عنه، وليس تهويلا لمخاطر التستر التجاري كما قد يظن البعض، وسنكتشف قريبا بعد البدء الفعلي لماكينة "البرنامج الوطني لمكافحة التستر" في اجتثاث آفات هذا الداء العضال، أي عدو كان يتمدد ويتوسع خلف أظهرنا!
أظهرت إحدى نتائج جهود وزارة التجارة والاستثمار قبل أكثر من عام مضى، اكتشافها نحو 200 ألف حالة تستر، تركز منها نحو 86 ألف حالة في قطاع المقاولات، ونحو 84 ألف حالة في قطاع التجزئة فقط، وهما القطاعان اللذان شكلا وحدهما أعلى من 13.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي! وما يشير بما لا يدع مجالا للشك إلى استشراء داء التستر التجاري محليا، وإلى الضرورة القصوى لمواجهته بأقوى الأدوات والإجراءات. فما بالك إن أضفت ما تم اكتشافه أيضا في بقية القطاعات الأخرى، كالقطاع العقاري من تطوير وتشييد وأنشطة مكاتب عقارية تتولى تحصيل عوائد سمسرة البيع والتأجير وخلافه، وبيع الفواكه والخضار والسلع الزراعية، والمتاجرة بالذهب والأحجار الكريمة، وتجارة المواشي، وتجارة السلع المعمرة، وقطاع الخدمات كالدعاية والإعلان، وقطاع الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية، وتسويق وبيع برامج الحاسب الآلي ونسخها بصور غير مشروعة، وفي أنشطة المحال التجارية الصغيرة والمتوسطة كمحال الحلاقة والسباكة والصيانة الكهربائية والخياطة وغيرها من الأنشطة التجارية الفردية، التي لا تتطلب مهارات عالية.
بعدئذ؛ هل اقتربت من تخمين الإجابة عما تم طرحه من أسئلة أعلاه "كم عدد وحجم آلاف الفرص الاستثمارية؟ وكم عدد مئات الآلاف من فرص العمل الكريمة؟ وكم مئات المليارات من الأموال التي خرجت ولم تعد؟ نتيجة استشراء التستر التجاري".
إننا بإذن الله العلي القدير على مواعيد عملاقة، تحمل في طياتها الخيرة، انفتاح أعداد هائلة جدا من الفرص الاستثمارية الواعدة أمام رؤوس الأموال الوطنية، وأمام رجال ورواد الأعمال من المواطنين والمواطنات، وانفتاح مئات الآلاف من فرص العمل الكريمة والمجزية أمام أبنائنا وبناتنا، التي ستسهم مجتمعة إضافة إلى إعادة تدوير الثروات والأموال محليا عوضا عن تسريبها إلى الخارج، كل ذلك سيسهم بمشيئة الله تعالى في تحسن أداء الاقتصاد الوطني، والتحسن الكبير لبيئة الأعمال والتجارة والاستثمار محليا، وفي تحسن مستويات الدخل والمعيشة بالنسبة لأفراد المجتمع، الذي سيسهم بدوره في تضييق الخناق على ما سبق الإشارة إليه في المقدمة، ممثلا في المهددات الخمسة للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي "البطالة، مشكلة صعوبة تملك المساكن، الفساد المالي والإداري، التستر التجاري، تعاظم تفاوت الدخل بين طبقات المجتمع".
سيحمل كل سقوط لمنشآت ولدت وتغذت على التستر التجاري، ولادة آلاف المنشآت الوطنية لتحل محلها، وسيحمل طرد وترحيل مئات الآلاف من العمالة المتورطة مع تلك المنشآت المخالفة، ولادة مئات الآلاف من الوظائف الكريمة للمواطنين، وسيحمل توطيد استقرار الثروات الأموال محليا، وإعادة تدويرها في الاقتصاد الوطني عبر مختلف نشاطاته وأسواقه مزيدا من ممكنات استقراره ونموه. هذا عدا أن انخفاض وجود أعداد بالملايين من العمالة الوافدة غير الماهرة، والاكتفاء بوجود من يمتلك المهارات والخبرة العملية والكفاءة، سيسهم بشكل كبير في تخفيض حدة الازدحام الراهنة في المدن، والضغط الكبير على الخدمات والبنى التحتية، وفي رفع كفاءة الإنتاج المحلية، دون الخوف على جوانب الطلب الاستهلاكي المحلي، كون تلك الأعداد الهائلة من العمالة الوافدة متدنية الدخل لا تشكل وزنا كبيرا في ميزانه، بقدر ما أنها كانت تشكل أعباء إضافية وغير محتملة على مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني. وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
الدائره موجوده عندنا بأوقح صورها ولا مثيل لها في اي بلد في العالم
كل جهة تصدر قوانين أو بنود وغيرها لكن البعض لا يحدد الغرامة و العقوبة عند تجاوز كل قانون أو بند على حدة فتجد عدة قوانين أو بنود وغيرها لكن العقوبة و الغرامة واحدة تشمل جميعها . الفساد بشتى صورة و مسمياتة هو الأساس و هو سرطان الإقتصاد و التنمية كما ذكرت هذا عدة مرات . إذا توسع و كبر حجم الفساد إى كان نوعه وبالتالي سوف يكون هناك تستر و بطالة و غيرها .
وصل التستر التجاري الى مرحلة الأرهاب الأقتصادي بأمتياز.... تكاد لا ترى سعودي في السوق يمارس التجاره و المقاولات.... التستر طغى.... و الشئ الأكيد أن العقوبات أما أنها لا تطبق أو لا ترقى الى درجة الجرم.... جرم في حق المجتمع و الدوله.