العلاقة التي تربط الحكومة مع إدارة الاقتصاد أشبه ما تكون كالعلاقة الأبوية مع الأبناء، مفيدة وضرورية في بداية حياة الوليد ومضرة ومدمرة في حالة استمرارها بعد مرحلة الشباب ففي بداية حياة الأبناء يتحمل الأبوين المسؤولية الكاملة لتربية هذا الوليد وتقديم الدعم له في جميع متطلبات حياته حتى يشتد عوده ويدخل مرحلة الشباب هنا يصبح الدعم الكامل للأبوين للأبناء مضرا بل مدمر لحياة هذا الشاب من خلال اعتماده الكلي على أبويه وعدم اتاحة الفرصة لاطلاق طاقته والاعتماد على نفسه، كذلك هو الدعم الحكومي للاقتصاد يصبح مفيدا في أوقات معينة ومضر في أوقات أخرى.
هذه الحقيقة أدركتها رؤية المملكة 2030 من خلال برنامج التخصيص الذي يهدف الى صنع قطاع خاص يتحمل مسؤولياته ويفجر ابداعاته من خلال فك احتكارالحكومة لتقديم الخدمات ومشاركة القطاع الخاص كأفراد وكيانات للمنافسة على تقديم الخدمة وتصحيح دور الحكومة الأساسي كمنظم ومراقب ومشرع للعمليه الاقتصادية، وليس كما هو الوضع الحالي منظم ومشرع ومقدم للخدمة، وهذا أضعف دور الرقابة والنزاهة إذ من الصعب أن تجمع جهة واحدة دور تقديم الخدمة وبنفس الوقت تراقب نفسها .
كما أن الابداع لا مكان له في ضل احتكار الخدمه وغياب المنافسة.
وأنا هنا سوف اختصر حديثي على التحديات التي سوف تواجه برنامج التخصيص في المملكة فقط والتي لم أقرأها في وثيقة برنامج التخصيص واستعرضها معكم بشفافية الرؤية التي دعى إليها ولي العهد يحفظه الله وحمل المواطن والمختص مسؤولية مراقبة أداء الحكومة.
وعندما نتحدث عن شفافية المرحلة التصحيحية التي نمر بها حاليا فإننا نتحدث من واقع عملي وممارسة سبق لنا تقديمها من خلال مقال لي سابق توقعت من خلالها عدم نجاح خصخصة قطاع الطاقة في المملكة وهذا بالفعل ما حصل بعد نشر مقالي في أرقام بعدة أشهر .
والتحديات هي :
التحدي الأول بيع الأصول بأقل من سعرها السوقي .
التحدي الثاني ارتفاع أسعار الخدمة على المواطن .
التحدي الثالث ازدياد نسبة البطالة بين المواطنين .
1- بيع الأصول بأقل من سعرها الحقيقي : من أهم مأخذ على برنامج التخصيص في تجربته العالمية وحتى المحلية.
ففي أغلب الصور قام البائعون (القطاع العام) ببيع أصول الدولة بأقل من سعرها السوقي تحت ضغط ضيق الوقت ورغبة الحكومات بالتخلص من أصولها الخاسرة وقلة عدد المشترين من القطاع الخاص وعدم إدخال تغيرات هيكلية على القطاع العام لضمان عدم تحكم وجهة نظر واحدة في قرار البيع.
ومن خلال وثيقة برنامج التخصيص ذكرت ببيع خمسة أصول للحكومة في عام 2020 لتصل العوائد مابين 35 الى 40 مليار ولم تذكر الوثيقة هل هذا المبلغ يشكل أرباح على القيمة السوقية أم سوف يمثل المبلغ خسائر عندما تكون القيمة السوقية 60 مليار على سبيل المثال ويباع الأصل بـ 40 مليار.
وتجربتنا ببيع أصول شركة بترومين عام 2010 بسعر بخس وعدم وجود هيكلة في القطاع العام لضمان عدم احتكار تقييم العطاءات وتحديد الأسعار لجهة واحدة فقط وغياب الأرقام في وثيقة برنامج التخصيص عن الأسعار العادلة لتلك الأصول يجعل من هذا التحدي كبير جدا في المرحلة القادمة.
2- ارتفاع أسعار الخدمة على المواطن :
عندما تنشأ محطة كهرباء طاقة رياح سعر الكيلو وات يصل ما بين 30الى 40 هللة بجانب آبار للغاز الطبيعي سعر الكيلو وات للكهرباء المنتجة يصل متوسطه 5 هللة كيلو وات / ساعة ويفرض على المواطن استخدام طاقة الرياح المكلفة ماليا والتي وضعت في أماكن غير مناسبة لها كما هو حاصل حاليا في مشروع طاقة الرياح في منطقة الجوف، ولا يتاح للمواطن حرية اختيار مقدم الخدمة الأرخص فإن ذلك سوف يؤدي الى ارتفاع أسعار الخدمة على المواطن دون مبرر ويتم توجيه دعم الدولة الى المستثمرين في القطاع الخاص من خلال ضمان شراء الانتاج.
هذا هو مثال عما سوف يحصل في حالة التخصيص الخاطىء لبعض الخدمات وهذا ما حدث على المستوى العالمي وأدى الى توقف برامج الخصخصة في بعض الدول أو إعادة الحكومات للاستحواذ على الخدمات التي باعتها للقطاع الخاص من جديد.
3- ارتفاع نسبة البطالة بين المواطنين :
من الأرقام التي أوردتها وثيقة برنامج التخصيص أن عدد الوظائف سوف يزداد الى 10 آلاف وظيفة من خلال برنامج التخصيص وهذا أمر جيد لو تم تطبيقه.
لكن التجارب العالمية والمحلية للتخصيص أوضحت عكس ذلك فالقطاع الخاص المستحوذ على الأصول أو الخدمات لا يمكن له المنافسة والاستمرار الا من خلال تقليص عدد الموظفين الزائد الذي كان يعمل في القطاع العام، ومن حقه التخلص من تلك العمالة وتشغيل منشآته بأقل تكلفة ودون تدخل أو ضغوط من الحكومات. وهذا يستدعي الى تسريح أعداد كبيرة من الموظفين غير الضروريين ورفع كفاءة الباقين.
ومن المنطقي أننا في المملكة يفترض أن التسريح يقع على العمالة الوافدة ويتم الاحتفاظ بالمواطن خاصة إذا عرفنا أن العامل الوافد تشكل أعداده أربعة أضعاف العمالة الوطنية.
لكن من خلال برنامج التخصيص لقطاع انتاج الطاقة في المملكة الذي بدأ عام 2012 لاحظنا عكس ذلك فقد تم التخلي عن العمالة الوطنية وزيادة عدد العاملين الوافدين وتمثل المحطة الحادي عشر مثالا جيد على ذلك بل أن زادت جرأة الشركات الوطنية لدينا بتشجيع المواطنين على الاستقالة وفي بعض الأحيان البحث عن ثغرات في عقود التوظيف وفصل المواطنين كما حصل مع موظفي شركة الكهرباء وبنفس الوقت زيادة العمالة الوافدة من خلال عقود التشغيل والصيانة والإنشاء .
في المقال القادم سوف اقترح الحلول والتعديلات كما أراها من وجهة نظري كمواطن.
شكرا لك يامهندس عماد ... اتفق معك في أن التخصيص سيرفع نسبة البطالة وأعتقد أن التوازن في ذلك من خلال توطين بعض الأنشطة الذي يحدث الان... بمعنى أن توطين الأنشطة سيخفف أثر ارتفاع نسبة البطالة.
مقال جميل لكن هل يجد اذان صاغيه وهل يسلم من فرق حسب الله الذين يشوشون على الحقائق
مقال ممتاز جدا .... قلما يوجد مثله في الفضاء الالكتروني العربي حاليا