الاقتصاد السعودي .. ما وراء السايبر

14/03/2018 4
عبد الرحمن بسيوني

مشكلة ضحايا القروض العقارية ليست في قيمة القروض التي أتفقا عليها مع البنك أثناء توقيعهم للعقد٬ بل أن المشكلة الرئيسية هي في زيادة قيمة هذه القروض والفوائد معاً على هؤلاء المقترضين التي لم يتم إيضاحها لهم من قبل البنك٬ ولم يكن لها أي أثر بالعقد٬ لا من حيث قيمة القرض الإجمالية٬ ولا من الأقساط التي سوف يقومون بدفعها في حالة ما أذا تم تغيير معدل الفائدة (أو كما تسمى بالسايبر)٬ بل كانت مفاجأة بالنسبة لهم٬ لكنها غير سارة بالتأكيد. فكما يقال مصائب قوم عند قوم فوائد٬ كانت هذه المصائب أو الفوائد تزيد على هؤلاء المقترضين في حين أنها تزيد من أرباح البنوك. ففي علم التمويل٬ كلما أرتفعت معدلات الفائدة أرتفعت معها أرباح البنوك٬ نتيجة إرتفاع هذه الفائدة على سلعتهم ومنتجهم الوحيد الذي هو المال. لن أطالب المقترضين بمعرفة هذه المبادئ الأساسية لعلم التمويل٬ ولكن كان من المفترض حصولهم على صورة من العقد وإستشارة المختصين لتوعيتهم ومساعدتهم في إتخاذ القرار٬ أو على الأقل التوضيح لهم من قبل هذه البنوك عن طريق توقيعهم على نماذج تشرح لهم المبالغ التي يجب عليهم دفعها٬ في حالات مختلفة من تغيير معدلات الفائدة سواء كان بالإرتفاع أو بالإنخفاض٬ كما هو مطبق في دول العالم٬ وأن لا يكونوا ضحايا للمفاجأت في غياب أو تحرك جاء متأخراً من مؤسسة النقد وجمعية حماية المستهلك.

عدم معرفة المقترضين بعلم التمويل٬ لا يجعل لدي الحق بطلب معرفتهم أيضاً بعلم الاقتصاد٬ فعلاقة ربط الدولار بالريال السعودي وإرتفاع الفائدة لدى البنك الفيدرالي٬ ومعرفة أنواع معدلات الفائدة لدى البنوك السعودية٬ مثل الريبو والريبو العكسي وأخيراً السايبر٬ كل ذلك ليس من شأن المواطن معرفته والإلمام به٬ بل ربما أن هذه المعلومات يجهلها بعض موظفي البنوك أنفسهم من الذين يعملون في أقسام مختلفة بعيدة عن الخزينة مثل التسويق أو خدمات العملاء٬ فكيف بالمواطن العادي غيرالمتخصص  في هذا المجال٬ والذي كان حلمه فقط هو الحصول على منزل العمر٬ والذي يعتبر حلم لكل مواطن.

لكن هذه المشكلة لم تكن مفاجأة للبنوك ولا للمهتمين بهذه العلوم٬ فكما أشرت قبل عام تحديداً في ٢٧ مارس ٢٠١٧ بعنوان الاقتصاد السعودي: بين معدل الفائدة والدولار٬ أشرت من تعهد البنك الفيدرالي إلى رفع الفائدة في الفترة القادمة نتيجة تحسن جميع المؤشرات الاقتصادية بالاقتصاد الأمريكي٬ وأشرت أيضاً أنه يجب على المواطنين الذين يخططون على التمويل العقاري بتجنب الفائدة المتغيرة والتركيز على الفائدة الثابتة. فبرغم من أن معدل الفائدة الثابتة عادة ما يزيد عن معدل الفائدة المتغيرة في المدى القصير والمتوسط٬ إلا أنها تظل أقل تكلفة على العميل في المدى الطويل. بالإضافة وهو الأهم٬ لا يوجد بها أي نوع من الغرر٬ على عكس الفائدة المتغيرة التي يعتريها عدم الوضوح والتغير والتناقض٬ لذلك فهي الفائدة المتغيرة اليوم أقل تكلفة لكنها غداً سوف تكون آكثر تكلفة على العميل٬ لكنها أكثر ربحاً للبنك٬ وهنا كانت المفاجأة للمقترضين بإرتفاع قيمة هذه القروض والفوائد معاً٬ وبذلك يكون البنوك قد وضعتهم في حالة من أعلى حالات المخاطر الاقتصادية الشخصية٬ والتي يطلق عليها اقتصادياً غير متوقع  وغير متأكد (Unexpected and Uncertain)٬ ليس هذا فقط٬ بل يعلم الجميع أن هذه المخاطر لن تكون لفترة قصيرة سنة أو سنتين مثلاً٬ بل سوف تمتد لأكثر من ١٠ سنوات خلال فترة العقد. لذلك تدارك الخبراء بمؤسسة النقد هذه المخاطر مؤخراً٬ لأنهم يعلمون أنها البداية فقط٬ ولتفاديها وعدم تفاقمها مستقبلاً٬ سارعت في أبداء بعض الحلول٬ وهذه خطوة جيدة ويشكرون عليها٬ فهم يعلمون أن حماية المستهلك من أهم أولويات عملهم٬ لكن يعلمون أيضاً أن هذه الحلول ليست كافية ولن يرضى بها جميع الضحايا المقترضين.

كذلك في رأي أن مقارنة القروض العقارية السعودية مع القروض العقارية الامريكية مجحفة بعض الشيء٬ فالثقافة التمويلية لدى الفرد الأمريكي مرتفعة مقارنة مع الفرد السعودي. فالفرد الأمريكي يبدأ حياته الدراسية الجامعية عن طريق القروض أو التمويل٬ فهو على معرفة بالتعامل مع هذا النوع من التمويل المتغير٬ وطويل الأجل٬ والذي مع ذلك يظل أقل تكلفة بكثير من التمويل العقاري في السوق السعودي٬ نتيجة وجود المنافسة التي تعمل في مصلحة المستهلك٬ من خفض للتكلفة وتقديم كل ما هو أفضل. أما من الناحية الاقتصادية٬ فبشكل عام الاقتصاد الأمريكي يعيش الأن أفضل حالات إزدهاره٬ فالمواطن الأمريكي لن يتأثر بهذا الإرتفاع في معدلات الفائدة لديه٬ نتيجة إرتفاع معدلات الأجور وإنخفاض مستوى الأسعار٬ فمعدل التضخم اليوم في الولايات المتحدة مازال أقل من المعدل العالمي عند ١.٦٪ تقريباً. على عكس الاقتصاد السعودي الذي كان يعاني قريباً من إنخفاض في السيولة (قبل المبادرات التحفيزية الأخيرة)٬ ويقترب الأن من إرتفاع في مستوى الأسعار (التضخم الان عند ٣٪ ضعف المعدل الامريكي) ويزيد عن المعدل العالمي٬ بالإضافة إلى إنخفاض القوة الشرائية٬ نتيجة إعادة الهيكلة الاقتصادية وفرض الرسوم والضرائب تحقيقاً للرؤيا٬ والتي أتمنى أن لا يكون هؤلاء المواطنين هم أحد ضحاياها.

أخيراً٬ يتوقع البنك الفيدرالي في الأيام القريبة القادمة برفع الفائدة من ٣ الى ٤ مرات هذا العام (بنسبة ١٪ في الاقتصاد الأمريكي والذي سوف ينعكس على ارتفاع معدلات الفائدة بإلاقتصاد السعودي من ضعفين إلى ثلاث هذه النسبة مستقبلاً للمستهلك النهائي)٬ ولا يخفى على مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية تأثير ذلك على هؤلاء المقترضين. فدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد السعودي حالياً٬ لا يقل أهمية من دعم هؤلاء الأفراد والأسر المتضررة٬ الذين تم التغرير بهم بعدم الإيضاح لهم بالمخاطر المترتبة من التعامل بمثل هذه المنتجات المالية٬ في ظل غياب رقابة مؤسسة النقد وضعف أداء البنوك والنظر لمصالحها الخاصة فقط٬ فحماية الأفراد والتشديد على تطبيق الأنظمة من أهم أمور المصلحة الوطنية٬ والأهم أيضاً هو تطبيقها في الوقت المناسب٬ لكي لا تتفاقم هذه المشكلة في المستقبل القريب وتصبح أزمة٬ ولنا من أزمة الرهن العقاري الأمريكي التي حصلت عام ٢٠٠٩ عبرة وعظة.

خاص_الفابيتا