المحاسبة الذهنية وأسهم العوائد العالية

14/02/2018 12
محمد العلوان

تعتبر توزيعات الأسهم من العوامل المهمة في تقييم الأسهم ويوليها المستثمرون اهتماماً خاصاً حيث يميل الكثير منهم الى الاستثمار في شركات العوائد العالية (نسبة التوزيع الى سعر السهم عالية) ظنا منهم انهم يحسنون الاختيار. هذا التركيز على العوائد نابع من ان كثير من المستثمرون يركزون على حماية راس المال حيث أن نسبة كبيرة منهم تبحث عن أسهم التوزيعات وتقوم بصرف هذه التوزيعات التي تحققها المحفظة. ونتيجة لذلك تجد ان هؤلاء المستثمرون الباحثون عن أسهم العوائد العالية ومن حيث لا يشعرون يخسرون جزء من استثماراتهم بالتركيز على التوزيعات فقط بدون النظر الى العائد الكلي.

المحاسبة الذهنية عنوان مقالة اليوم هو مصطلح أطلقه ريتشارد ثالر الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2017 يرمز فيه لنوع من أنواع الانحيازيات الادراكية السلوكية التي تؤدي إلى قرارات استثمارية خاطئة.  ريتشارد ثالر عرف المحاسبة الذهنية بانها الطريقة التي يقوم فيها الاشخاص بترميز وتصنيف وتقييم المال في اذهانهم في حسابات ذهنية مختلفة. وتابع ثالر بان الحسابات الذهنية تصنف على حسب مصدر المال، مثال (الراتب، البونص، الورث، المضاربة والاستثمار الخ) او في كيفية صرف المال (فواتير الماء والكهرباء، تعليم الأولاد، ومصاريف السفر الخ).

التبعات الاستثمارية للمحاسبة الذهنية الاستثمارية

من تبعات هذا الانحياز السلوكي هو ان يقوم المستثمرون من غير أن يشعرون بتقسيم العائد في اذهانهم الى حسابين مختلفين:

1.حساب العوائد: العائد من توزيعات الأسهم او الأصل الاستثماري.

2.حساب المضاربة: العائد السعري من ارتفاع السعر للسهم او الأصل الاستثماري.

فبدلا من بناء المحفظة بالنظر الى العائد الكلي (عائد الدخل +عائد النمو) فان كثير من الناس لا شعورياً يفصلون بين العائدين في اذهانهم عند اختيار الأسهم مما يخلق مخاطر استثمارية غير مرغوبة لوجود علاقة وطيدة بين الدخل والنمو. التركيز على صرف التوزيعات أو الدخل من أي أصل استثماري سوف يستنزف راس المال مع مرور الوقت وبالتالي تحتاج المحفظة للنمو للمحافظة على القوة الشرائية للمحفظة وتنمية راس المال.

المحاسبة الذهنية في سوق العقار 

بحكم ان الكثير يفضلون العقار كأصل استثماري سوف نوضح كيف أن الفصل الذهني لعوائد الاستثمار تخلق مخاطر استثمارية. هذا السؤال كنت اطرحه دائما على أناس مختلفين لتوضيح كيف تؤثر المحاسبة الذهنية على اتخاذ القرار الصائب والغالبية الاعم تجيب على السؤال بشكل خاطئ.

السؤال الأول: عقار سكني في مدينة الرياض سعره مليون ريال ومؤجر على مستأجر يدفع صافي ايجار بعد الصيانة 100 ألف ريال سنويا. سؤال ما هو عائد الاستثمار؟

الجواب التقليدي: العائد هو 10% (100 ألف ريال مقسومة على مليون سعر العقار).

السؤال الثاني: بعد مرور سنة، العقار سعره 500 ألف ريال ولكن الايجار ثابت على 100 ألف ريال. ما هو عائد الاستثمار؟

الجواب التقليدي: العائد هو 20% (100 ألف مقسومة على 500 ألف سعر العقار).

أين المشكلة في الاجابتين السابقتين؟ المشكلة هي بسبب انحياز المحاسبة الذهنية وميلنا الى الدخل حسبنا عائد الدخل فقط وليس العائد الكلي.

في السؤال الأول صادف ان العائد الكلي مساوي لعائد الدخل لأن سعر الأصل (العقار) لم يتغير. ولكن في السؤال الثاني فان عائد الدخل 20% مضلل لأن سعر الأصل (العقار) انخفض أيضا بنسبة 50% وبالتالي فان العائد الكلي من الاستثمار هو خسارة 40%.

الدرس المستفاد هنا ان ارتفاع عائد الدخل يحدث اما بسبب انخفاض سعر العقار (سيء) او بسبب زيادة التوزيعات (إيجابي). فبالتالي حساب عائد الدخل فقط يعطي انطباع خاطئ ان العائد مرتفع ولكن في الحقيقة هذا الارتفاع لا يعكس العائد الكلي من الاستثمار.

المحاسبة الذهنية في سوق الأسهم 

هذا الانحياز السلوكي يجعل الكثير من متداولي الأسهم يميلون الى الأسهم التي تتداول على نسبة توزيعات نقدية عالية ويغفلون ان هذه العوائد لا تمثل العائد الكلي من الاستثمار وغالبا تكون بسبب انخفاض سعر السهم والذي بدوره يعكس ان السوق يتوقع ان تكون هذه التوزيعات غير مستدامة مستقبلا.

اعرف مجموعة من المستثمرين والأصدقاء عندما انخفضت أسعار الأسهم كثيرا في عام 2016، توجهوا للاستثمار في اعلى الشركات من ناحية العوائد. وجهة نظرهم هي ان هذه الأسهم تشبه العقار (الأبن البار) كما اسموه لي وتعطي دخل ثابت 10%-9% وهذا عائد أفضل من الوديعة. طبعا كما ذكرت سابقا اغلب الأسهم التي تسجل توزيعات نقدية عالية نسبة الى سعرها وتكون اعلى من المتوسط التاريخي ومتوسط السوق فان هذه غالبا علامة على ان السوق يسعر احداث مستقبلية بمعنى أن هذه الشركات لا تملك القدرة على مواصلة هذه التوزيعات مستقبلا ً فتنخفض أسعارها نتيجة بيع هذه الأسهم من قبل هؤلاء المتداولين. ولكن بسبب المحاسبة الذهنية فان الكثير يغفلون هذا الجانب ويسيل لعابهم لهذه العوائد العالية التي سوف يحصلون عليها جراء شراء هذه الأسهم.

عند النظر لقائمة هذه الأسهم كما في قاع السوق في 12 يناير 2016 فأننا نجد الأسهم التالية كأعلى أسهم عوائد في السوق. الملفت للنظر ان اغلب هذه الأسهم هي في قطاع واحد وهو قطاع الاسمنت والمستثمر الذكي سوف يسأل عن مدى قدرة هذه الشركات على المحافظة على هذه التوزيعات مستقبلا، لاسيما انها اعلى من المتوسط التاريخي لهذه الشركات ومتوسط السوق. هل هي مصادفة ان اغلبها في قطاع واحد؟ ام ان السوق يخصم توقعات مستقبلية سلبية بخصوص قطاع الاسمنت.

اختبار منهجية أسهم العوائد العالية تاريخيا

قمت بعمل محاكاة تاريخية لمحفظة تقوم بالاستثمار في أسهم العوائد العالية. تم حصر أعلى 10% من الأسهم التي تتداول عند نسبة توزيعات للسعر لأخر خمس سنوات مع إعادة توزيع المحفظة شهريا. كما يتضح من الرسم البياني فان المحفظة المكونة من أسهم العوائد العالية في السوق حققت عائد سلبي لأخر خمس سنوات وعائد اقل من مؤشر تداول السعري.


الخلاصة

عندما تكون عوائد التوزيعات عالية جدا مقارنة بالمتوسط التاريخي والقطاعات الاخرى وأسعار الفائدة في السوق فان هذه غالبة يدل على ان السوق يتوقع ان تقوم هذه الشركات بتخفيض توزيعاتها مستقبلا كما حدث في قطاع الاسمنت موخرا.السوق لا يقيم التوزيعات التاريخية فقط بل يقيم نسبة النمو فيها وديمومتها. ارجو ان لا يفهم القارئ ان توزيعات الأسهم غير مهمة بل على العكس مهمة جدا ولكن العوائد العالية جدا هي التي ينبغي الحذر منها لأنها غير مستدامة. يجب التركيز على الأسهم التي تنمو فيها التوزيعات وليست الأسهم التي نسبة التوزيعات فيها للسعر عالية فقط خصوصا في الأسهم الدورية.

خاص_الفابيتا