كيف تتفادى الخسائر في الأسهم باستخدام التفكير العكسي؟

16/10/2017 17
محمد العلوان

"اعكس السؤال، اعكس السؤال دائما"

تشارلي مينغر

في بعض الأحيان يصعب حل بعض التحديات والمعوقات بالتفكير المباشر بينما لوعكسنا المشكلة سنحصل على حل لم نتوصل اليه بالطريقة المباشرة. مهارة التفكير العكسي من المهارات المهمة في حل كثير من المشاكل في شتى المجالات. تعلمت هذه المهارة من البليونير والمستثمر الشهير تشارلي مينغر وأصبحت جزء مهماً من مهاراتي في التفكير.

تحدثت في مقالة سابقة عن فلسفة الخسارة أولاً وهي ان النجاح في أسواق المال ليس بالضرورة شراء الأسهم التي ارتفعت أسهمها بقدر ما هو تجنب الأسهم التي انخفضت أسعارها. ولذلك دائما أحاول في تحليلاتي ان اعكس السؤال دائماً. فبدلاً من أن اسال نفسي ماهي أفضل الأسهم للشراء اعكس السؤال وابحث عن ماهي اسوء الشركات للشراء.

اليوم سوف نشرح نسبة مالية مهمة تعرفت عليها عن طريق أحد مدراء التحوط اللامعين لتفادي (مخاطر المركز المالي). هذه النسبة المالية تساعد في اكتشاف مواضع الخلل في ميزانيات الشركات في وقت مبكر. أيضا، هذه النسبة أحد الأدوات المهمة التي استخدمها لتجنب الشركات ذات المراكز المالية الضعيفة في سوق الأسهم.

بالطبع هذي المخاطر لن تجدها في مؤشرات المخاطر المعروفة، مثل البيتا او الانحراف المعياري لسبب بسيط ان هذه الأدوات لقياس المخاطر مبنية على فرضية كفاءة السوق وان هذه المخاطر مخصومة في سعر الورقة المالية وتنعدم بالتوزيع وبالتالي لن تستطيع تحقيق عوائد اعلى من المتوسط بتحليل هذه النسب. شخصياً اعتقد بكفاءة الأسواق ولكن لا اعتقد بالكفاءة المطلقة. وبالتالي اعتقد بانه يمكن الاستفادة من بعض أخطاء المتداولين في تسعير بعض الأسهم احياناً.

نسبة التدفق المالي تشبه نسبة أخرى معروفة عند المحللين وهي نسبة السيولة الجارية ولكنها تختلف عنها في نقطتين. أولاً نسبة السيولة الجارية لا تفرق بين الأصول الجيدة والأصول السيئة. ثانياً، لا تفرق بين المطلوبات الجيدة والمطلوبات السيئة.

نسبة التدفق المالي = )الأصول الجارية -} النقد + الاستثمارات قصيرة الأجل ({ ÷ )المطلوبات الجارية – الديون قصيرة الاجل).

لكي نفهم نسبة التدفق علينا مراجعة مكونات المعادلة. في المقام نجد الأصول الجارية باستثناء النقد والاستثمارات، وفي البسط نجد المطلوبات الجارية التشغيلية باستثناء الديون. فكما يوجد نوعان من الكولسترول في اجسامنا نوع ضار ونوع نافع كذلك الحال مع الشركات.

الكولسترول المالي الضار يأتي على نوعين في اغلب الشركات: الذمم مدينة والمخزون. حيث يمثل الأول مبيعات بالتقسيط وهو خطر في حالة فشل العميل في التسديد او ان الشركة تختلق مبيعات وهمية. كلما تأخر العميل في السداد زادت المخاطر بسبب ان المبيعات السابقة لا قيمة لها وقد تشطب كما هو الحال في شركة موبايلي وشركة المعجل. النوع الثاني، وهو المخزون يمثل بضاعة جاهزة للبيع وكلما تأخرت الشركة في بيعها ارتفعت احتمالية شطبها اما بسبب تباطؤ في الطلب او انها بضاعة تالفة لا تصلح للاستخدام على سبيل المثال اكسسوارات شواحن الهواتف الذكية القديمة في مخزون شركة تجزئة تبيع هذه البضاعة.

إذا تجاوزت نسبة التدفق 2.8 مرة يجب عليك الحذر الشديد من السهم مهما كان جذاباً من ناحية تقييمات ونمو في الأرباح وغالباً ما يكون قنبلة موقوتة.

الفرق بين المطلوبات الجيدة والسيئة

يوجد خطأ شائع عند كثير من الشركات وهو انه كلما زادت الأصول وقلت المطلوبات فهذا مؤشر جيد وهذا ليس بالضرورة صحيح. ففي النسبة المالية التي تحدثنا عنها سابقا نجد في المقام المطلوبات الجارية الجيدة. لماذا جيدة لأنها ببساطة تشبه القروض ولكن بدون فوائد. بشكل مبسط المطلوبات الجارية تمثل التزامات على الشركة ناتجة عن بضاعة مشتراه من موردين او خدمات مقدمة للشركة. أبرز انواعها هو الذمم الدائنة والمطلوبات المستحقة.

وارن بوفيت اكتشف مبكراً قبل خمسين عاماً هذه الفكرة في صناعة التامين وبنى عليها امبراطورية بيركشاير هاثوي.الفكرة ببساطة هي ان المطلوبات التي لا يوجد عليها فوائد بنكية تعطي الشركة فوائد الرفع المالي بدون تحمل هذه الاتعاب البنكية. حيث ان كل يوم تٌأخر الشركة فيه سداد هذه الالتزامات تستفيد الشركة فيه من هذا النقد بتحقيق عوائد عليه اما باستثماره داخل الشركة او في أصول مالية مدرة للدخل. إذا ما نظرنا -للموضوع من نظرة اقتصادية-وليست محاسبية وهذا موضوع خارج عن بحثنا. نجد انه إذا كانت المطلوبات بدون فوائد تشكل نسبة عالية فإنها عمليا أصول مهمة للشركة في حالة النمو وان الأصول الضارة مثل ذمم مدينة والمخزون هي مطلوبات ضارة وليست أصول نافعة.

 إذاً نجد ان نسبة التدفق تقيس لنا الأصول الضارة مقارنة بالمطلوبات النافعة. كلما انخفضت هذه النسبة دلت على قدرة الشركة على تعظيم التدفقات النقدية التشغيلية ليس هذا فحسب بل أيضا تدل على ان نموذج اعمال الشركة خفيف (light asset business model) ويحتاج موارد قليلة وأيضا وكذلك تقيس هذه النسبة قدرة الشركة على إدارة راس المال العامل بكفاءة. وكلما ارتفعت هذه النسبة دل ذلك على العكس.

(عطنا الزبدة كيف ممكن نستفيد من هذه النسبة في تجنب الخسائر؟)

مثال سهم نجران للإسمنت

في يوم 5 أكتوبر عام 2014 كان سهم نجران للإسمنت من الأسهم المفضلة للصناديق الاستثمارية والافراد حيث كان يتداول على مكرر ربحية 32 ضعف ونسبة تدفق في حدود 3.11. بعدها شهد السهم تصحيح قاسي تزامنا مع انهيار سوق الأسهم. حيث انخفض السعر من 38 ريال الى 18.35 ريال في للفترة بين أكتوبر 2014و2015 وأصبح السهم يتداول 11.69 ضعف وسعر للتوزيعات النقدية في حدود 6%.

بعض المستثمرين اعتبروا السهم فرصة بعد ان انخفض 51% مع تقييمات وتوزيعات جذابة! عند حساب نسبة التدفق كما في ذلك التاريخ سنجدها في حدود 4.51 اعلى من 2.8 أي ان السهم يعاني من مركز مالي ضعيف. اليوم 5 أكتوبر 2017 السهم يتداول على 9.13 ريال حيث انخفض مرة أخرى بنسبة 50%. هذا درس مهم ان انخفاض السعر بدون الاخذ في الحسبان العوامل الأخرى قد يكون فخ يجب الحذر منه. للمعلومية اسمنت نجران لم يكن الوحيد في قطاع الاسمنت بل يوجد أكثر من أربع شركات في قطاع الاسمنت كانت نسبة التدفق فيها اعلى 2.80 في أكتوبر 2014.

ماذا عن بقية الأسهم

السؤال هذا مثال على شركة واحدة ولكن ماذا عن بقية الشركات؟ للإجابة على هذا السؤال قمت بعمل محاكاة تاريخية لمحفظة تستثمر في الشركات بناء على نسبة السيولة. حيث تم عمل حصر للأسهم التي تتجاوز نسبة التدفق فيها 2.8 واعلى. ثم الاستثمار في هذه المحفظة لمدة خمس سنوات مع اعادة توزيع المحفظة شهريا. النتيجة ان هذه المحفظة حققت عائد كلي سلبي وأيضا عائد اقل من مؤشر السوق لأخر خمس سنوات. وهذا مثال واضح ان تفادي الأسهم الخاسرة لا يقل أهمية عن انتقاء الأسهم الرابحة.


خاص_الفابيتا