من فترة إلى فترة يظهر بعض المدعين بإمكانية تحقيقهم أرباحا للمحافظ التي يدورونها في السوق، وهذه الادعاءات بتحقيق الأرباح تتفاوت من شخص إلى آخر، فمنهم من يزعم أنه يحقق الضعف خلال سنة وآخر يزعم أنه يحقق 50 في المائة وهكذا وطبعا هذا نوع من الاحتيال بالتسويق لتحقيق أرباح أعلى بكثير من السوق، نعم قد يستطيع تحقيق أرباح أعلى من السوق في فترة من الفترات لكن من الصعب جدا أن يستطيع التغلب على السوق في أغلب الوقت، بل هم نوادر من استطاعوا التغلب على السوق بشكل "مستمر"لمدة طويلة، إذن الادعاء بتحقيق عوائد أعلى من السوق بشكل مستمر يجب ألا يصدق بسهولة بل هو أقرب إلى الاحتيال منه إلى الصحة، خصوصا من الجهات المشبوهة وغير المعروفة، لكن هنالك نوعا من المحتالين الذين حاولوا الخروج بقصة جديدة وقد تكون أقرب إلى عوائد تبدو متوسطة أو غير مبالغ فيها حتى يصدقها الناس. يوجد شبه اعتقاد عند كثير من المتداولين أن السوق تحقق في المتوسط ما بين 10 في المائة و12 في المائة سنويا وهو عائد معقول بالنسبة لهم، وبالفعل إحصائيا السوق الأمريكية S&P 500 (أعطيت مثالا بسبب توافر البيانات وقوة السوق) خلال 83 سنة حققت في المتوسط عائدا سنويا 11.7 في المائة، لكن هذا لا يعني أن الادعاء بتحقيق حتى هذا الرقم سهل وذلك لعدة أسباب منها:
1 - خلال الـ 83 سنة المذكورة سابقا للسوق الأمريكية كانت حافلة بالعوائد البعيدة عن المتوسط، حيث إن نسبة عدد السنوات التي حققت السوق فيها عوائد بنسبة تراوح بين صفر في المائة و20 في المائة لم تتجاوز 33 في المائة من عدد السنوات الكلي فقط، بينما الأغلبية العظمى من السنوات حققت السوق عوائد أعلى بكثير أو أقل بكثير من المتوسط، حيث إن السوق حققت عوائد 20 في المائة وأكثر لـ 32.2 في المائة من عدد السنوات، وكذلك حققت عوائد سلبية لأكثر من 27 في المائة من عدد السنوات، هذا يؤدي إلى الاستنتاج أن السوق نفسها لا تحقق عوائد متوسطة (من 10 في المائة إلى 12 في المائة) في 66 في المائة من عمر السوق وهي تعكس بوضوح صعوبة تحقيق هذه النسبة من العوائد "باستمرار وفي كل سنة".
2 - حتى لو افترضنا أن مدير الاستثمار قرر أن يتبع السوق بأوزان الشركات وبالتالي فهو يحاكي المؤشر في الحركة فيجب عليه المحافظة على هذه الأوزان والصبر على السوق سواء في النزول أو الصعود ولمدة طويلة جدا حتى يحقق متوسط العوائد المستهدف وهذه مهمة ليست بالسهلة أبدا لأنها تتطلب جهدا كبيرا بالانضباط والصبر.
لعل واحدة من أبرز وأكبر قضايا الاحتيال في القرن الجديد هي قضية المصرفي الأمريكي والرئيس السابق لمجلس إدارة ناسداك برنارد مادوف، بخلاف كل الادعاءات وطريقة النصب المعروفة قصتها إلا أن أحد أبرز ادعاءاته التي نجح في تسويقها هو ادعاؤه تحقيق أرباح قريبة من المتوسط وغير مبالغ فيها! فحسب تصريحات كثير من الضحايا أن أحد أكبر الأسباب التي جعلتهم يثقون بمادوف هو عدم ادعائه تحقيق عوائد مبالغ فيها ولذلك وعطفا على الاسم والسيرة تم الوثوق بهذا الرجل الذي استطاع أن يرتكب أكبر عملية احتيال في التاريخ حيث استطاع جمع أكثر من 50 مليار دولار وطبعا وفي الحقيقة لم يحقق العوائد التي كان يزعمها بل كان ينقل من أموال المودعين الجدد إلى القدماء ليغطي على عملية الاحتيال.
إذن حتى الادعاء بتحقيق عوائد قد يبدو للوهلة الأولى أنها متواضعة أو غير مبالغ فيها ليس صحيحا، وهنا أنا أقصد (حتى لا يفهم كلامي بطريقة خاطئة) تحقيقها بشكل سنوي وبشكل مستمر، من غير السليم أبدا الادعاء بضمان تحقيق عوائد سنوية ومستمرة فهي صعبة جدا فما بالكم بمن يدعي قدرته على التغلب على السوق وتحقيق عوائد أعلى من السوق بشكل مستمر.
ختاما، بالإمكان لأي شخص أن يراجع أداء الصناديق الاستثمارية خلال السنوات الماضية عبر موقع تداول ليرى بنفسه صعوبة التغلب على السوق بشكل مستمر فقد يحقق الصندوق الفلاني عوائد أعلى من السوق في سنة أو سنتين لكن من الصعب جدا أن يحافظ على ذلك لمدة طويلة، بل إن أغلب الصناديق يفشل في التغلب على السوق في مجمل الوقت.
نقلا عن الاقتصادية
تسلم الأنامل استاذ عبدالله على هذا المقال الجميل وعلى ماتقدمه في وسائل الاعلام كافة بالتوووفيق لك
ماشاء الله ، مبدع ، الله ينجيك من الضغوط