كثر الحديث مؤخرا من قبل البعض حول انحسار هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي وبالمقابل قدرة بعض العملات المحلية إلى التحول لعملات تستخدم ضمن الاحتياطات العالمية للنقد الأجنبي. هذة التوقعات او التحليلات التي اعتمدت على البديهة بدلا من الإحصاءات أدت بالتأكيد إلى استنتاجات خاطئة. فى هذا الموضوع لن اتطرق لظاهرة العملات الرقمية التي لا تزال في مراحلها الأولى وتفتقر إلى أهم خصائص المال كمخزن للقيمة ووسيلة مقبولة على نطاق واسع للمعاملات.
الأرقام الأخيرة التي أوردها 146 بنك مركزي لمكونات العملات في احتياطياتهم الرسمية للنقد للأجنبي تسلط الضوء على الهيمنة المستمرة للدولار الأمريكي. وبنهاية الربع الثالث من العام الماضى، بلغت حصة الدولار من الاحتياطيات المخصصة حوالي 6 تريليون دولار وهو ما يمثل 64%. وجاء اليورو في المرتبة الثانية بفارق كبير عن الدولار وبحصة 20%، مشكلاً حوالي 2 تريليون دولار.وأحتل الجنيه الإسترليني والين الياباني المرتبتين الثالثة والرابعة على التوالي، مشكلاً كلاً منهما حصة ضئيلة لم تتجاوز 5% من إجمالي الاحتياطيات الموزعة.
والأهم في رأيي من هذة البيانات الحديثة هو اتجاهات الحصص منذ عام 2001 والتى شهدت محافظة الدولار على نفس النسبة على الرغم من ظهور اليورو كعملة لكيان اقتصادى يوازى الولايات المتحدة، وفقاعة الدوت كوم في 2001-2002، وكذلك الركود العالمي الكبير في 2008-2009. فضلاً عن ذلك، فإن حجم الاقتصاد الأمريكي وما يتمتع به سوق السندات الأمريكية من سيولة ضخمة، يجعله الخيار الاستثماري الأول للدول التي تتمتع بفوائض خارجية هائلة مثل الصين واليابان ودول الخليج خلال طفرة النفط الاخيرة من 2003-2014 وهو ما يؤدي بالتبعية إلى زيادة الطلب على الدولار. وبنهاية شهر سبتمبر من هذا العام، راكمت الصين ما قيمته حوالي 1.2 ترليون دولار من أدوات الدين الحكومي الأمريكي، تلتها اليابان بنحو 1.1 تريليون دولار.
البيانات المذكورة اعلاه دليل على صعوبة إزاحة الدولار من المرتبة الأولى سواء على المدى القصير أو المتوسط لعدم وجود العملة المنافسة التي تتمتع بنفس القدر من الحيوية. لذلك الحديث ان اليوان الصيني في هذة المرحلة قادر علي ازاحة الدولار كعملة الاحتياطي عالمياً ليس دقيق، فحصة اليوان لا تتجاوز ١٪، ما يعادل 108 مليار دولار فقط. ورغم الإصلاحات الأخيرة التي أقدمت عليها السلطات الصينية في سبيل أن يكون اليوان الصيني قابلاً للتحويل والصرف لكن في تقديري أن هذه عملية ستتسم بقدر كبير من التدرج ويكتنفها الكثير من العقبات فى ظل التخوف من تدفقات رأس المال الخارجة ودورات الأعمال المتقلبة.
إن الدولار الأمريكي جزء متكامل من البنية الراهنة للاقتصاد العالمي وهو لا يمثل ورقة للتداول فقط بل يمثل اقتصاد ٢٠ تريليون دولار وأسواق دين ٤٠ تريليون دولار وأسواق أسهم ٣٠ تريليون دولار. وأخيرا وليس آخرا، يجب ان تتوافر شروط في عملة الاحتياطي من سياسة نقدية مستقلة، واقتصاد متنوع وقوي، واسواق مال تستطيع ان تستوعب فوائض الحسابات الجارية لبقية العالم، وانفتاح كامل للحساب المالي في ميزان المدفوعات. وسياسياً لن تسمح أمريكا بظهور منافس يحد من قدرتها على الطبع والاستدانة!
خاص_الفابيتا
لو تم بيع البترول بعملة أخرى ستتغير قواعد اللعبة.