لماذا يجب أن تتطلع المملكة نحو الشرق؟

23/10/2017 4
تامر الزيات

دائماً ما يحاول الاقتصاديون التنبؤ بالأوضاع الاقتصادية والمالية القادمة وهذا يثير التساؤل عما هي المنطقة أو الدولة التي يمكن أن تؤثر على الأحداث خلال العقد القادم؟ وفي رأيى أن دور الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلى الإجمالي الذي تخطى عتبة 11 ترليون دولار والأولى من حيث الصادرات التي بلغت 2 ترليون دولار يوفر الأرضية الملائمة لأن يكون لها الدور الأبرز في التأثير على الاقتصاد العالمي. وذلك سواء بشكل إيجابي من خلال نموها الاقتصادي أو بشكل سلبي مع تصاعد المخاوف من ارتفاع ديونها المحلية وصراعاتها الجيوسياسية التي تتجلى في محاولة بسط نفوذها على بحر الصين الجنوبي.

قد يكون العام الحالى قد شهد هدوء المخاوف حول الاوضاع الاقتصادية الصينية، بيد أنه لا يزال هناك عائق قد يجعل سيناريو الهبوط الإضطراري ممكناً بقدر كبير. أولاً يُقدّر عبء الدين الاجمالى بحوالي 268% من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية الربع الثاني من هذا العام، والذي كان نتاجاً طبيعيا للتحفيز النقدي والمالي غير المسبوق منذ عام 2008 لمكافحة الأزمة المالية من جهة والحفاظ على وتيرة النمو من جهة أخرى. المؤسسات المملوكة للدولة بالتحديد هى مكمن الخطر المتزايد بديون تقدر بحوالى 13 ترليون دولار وهو ما يمثل 115% من الناتج المحلي الإجمالي.

هذه الأرقام الصاعقة جعلت ستاندرد آند بورز تخفض التصنيف الائتماني للصين إلى A+ على أساس التأثيرات السلبية المحتملة على المستثمرين والبنوك والاقتصاد العالمي إذا انفجرت تلك الفقاعة في نهاية الأمر. ولكن يجب أن ألمح أن الصين لديها بالتأكيد موارد وافرة فلديها أكبر احتياطي للنقد الأجنبي فى العالم ويبلغ أكثر من 3 تريليون دولار وفائض في الحساب التجاري يصل الى 200 مليار دولار سنوياً ولذلك فإن القدرة علي تحمل الديون لا تمثل خطراً آنياً.

على الجانب الايجابي، هناك دلائل متزايدة على عودة الانتعاش للاقتصاد الصيني مما سيؤثر على نمو الاقتصاد العالمي من خلال ثلاث قنوات. أولها قطاع التصنيع الصيني، والذي توسعّ إلى أعلى وتيرة له منذ عام 2012، وبالتالي فمن المؤكد أنه سيعزز الروابط التجارية من خلال زيادة الطلب على الواردات من بقية العالم. وثانيها، أن ما أبدته الحكومة الصينية وبالاخص الحزب الشيوعي الصيني منذ المنتدى الثالث عام 2013 من إلتزام وتعهد بأعادة التوازن الهيكلي وتبنّي اقتصاد السوق الحرة وتخفيف التشدد في سياسة عدم السماح للمتزوجين بأكثر من طفل واحد، من شأنه أن يزيد الإستهلاك المحلي بقدر كبير، مما سيصب في مصلحة الميزان التجارى لدول أخرى.

وفي حين أن القناتين المذكورتين أعلاه مرتبطتان بالتجارة، فإن القناة الثالثة تتعلق بفتح السوق المالي الصيني أمام الاستثمار الأجنبي المباشر وإنسياب المحافظ الاستثمارية إليه، فقد تعهد البنك المركزى الصينى بترفيع دور الأسواق من خلال تحرير أسعار الفائدة، وقابلية اليوان الصيني للتحويل والصرف وقد أعلن البنك مؤخراً انه يقوم بصياغة مجموعة من الاصلاحات من شأنها ان تمنح المستثمرين الاجانب المزيد من فرص الدخول الى سوق الخدمات المالية ومنها رفع سقف الملكية الاجنبية فى البنوك الصينية التى تبلغ حالياً 25%.

أهمية الاقتصاد الصيني على المستوى العالمي تعنى بطبيعة الحال نفس القدر من التأثير على الاقتصاد المحلى، ومن الجلي أن معظم صادرات المملكة من النفط الخام والمنتجات المكررة وبالتحديد 64% و49% على التوالى تتجهة الى آسيا والشرق الأقصى، وحصة الصين هى الاكبر.

التبادل التجارى لا يقف عند النفط فالصين تستحوذ على 12% من إجمالي الصادرات غير البترولية السعودية وهي نفس نسبة واردات المملكة من الصين. الامور الاقتصادية تجعل المشهد الصيني محورياً بالنسبة للمملكة، سواءً بالنسبة للإستراتيجيات الراهنة أو المستقبلية. والآن لنتساءل، ما هو الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم خلال العقد الماضي؟ وما هو الاقتصاد الذي يشكلّ المستهلك الأكبر لمعظم الموارد؟ وأين سيتم بيع القدرات الإنتاجية الكبيرة للمملكة من البتروكيماويات؟ وإذا كانت الإجابة على كل هذه التساؤلات هي الصين وآسيا، فيتوجب علينا أن نتطلع نحو الشرق.

خاص_الفابيتا