خلص الجزء السابق من مقال "تحديات البطالة والتوظيف والأجور.. ما الحل؟!"، إلى أن الخلاف على مصداقية معدل البطالة المعلنة من عدمها، كان من أولى الحيثيات القوية التي تقف وراء شكوك كثيرين حولها، وأن بيانات الهيئة العامة للإحصاء نفسها تعاني تضاربها وعدم دقتها، وضرب على ذلك كمثال فعلي، بالتضارب الكامن في بيانات العاملات الإناث السعوديات. وكيف أن مجلس الشورى سيواجه صعوبة كأداء في دراسته لمقترح رفع الحد الأدنى للأجور الشهرية للمواطنين في القطاع الخاص إلى خمسة آلاف ريال، قياسا على اعتبارات عديدة؛ من أبرزها ضخامة أعداد من أجورهم الشهرية في الوقت الراهن أدنى من خمسة آلاف ريال، التي تجاوزت 1.1 مليون عامل وعاملة من المواطنين والمواطنات، أي ما نسبته 68 في المائة من إجمالي العمالة الوطنية في القطاع الخاص.
وتقف هشاشة القطاع الخاص كثاني العوامل التي قد تعوق تحقق هذا الهدف في الأجل المنظور القريب، فما زال يعتمد بدرجة كبيرة على الدعم الحكومي، بل ينشد مزيدا منه تحت ضغوط الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية الأخيرة، ما يشير إلى أن القطاع سيكون عاجزا تماما عن الوفاء بهذا المتطلب التنموي المهم جدا، ويؤكد في الوقت ذاته أن جهود إعادة هيكلة القطاع الخاص، وضرورة إخراجه بنمطية مختلفة تماما عن سابق عهدها، تزداد أهمية في الوقت الراهن ومستقبلا، تنتقل به من وضعه الراهن الأكثر اعتمادا على دعم وعناية الحكومة، وعلى الاعتماد المفرط للقطاع الخاص على العمالة الوافدة، إلى وضع أكثر استقلالية ومتانة وتنوعا، تؤهله فعلا للمساهمة في النمو المستدام للاقتصاد الوطني، وفي تنوع قاعدة الإنتاج المحلية، وفي القدرة على توفير الفرص الوظيفية الملائمة والجيدة الأجور أمام مئات الآلاف من المواطنين والمواطنات.
وخلص أيضا إلى ضرورة رفع مستوى شفافية الإحصاءات والبيانات المتعلقة بسوق العمل المحلية، وضرورة توظيفها في الاتجاه الذي يكشف فعليا عن حقائق التطورات الجارية في السوق، بما يخدم بدرجة كبيرة احتياجات صانع القرار ومن تحت إدارته، على مستوى اتخاذ السياسات والإجراءات اللازمة للحد من تفاقم معدل البطالة، وضعف التوطين، وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة. الذي سيؤدي بدوره إلى تلبية أعلى وأفضل لاحتياجات الاقتصاد الوطني والمجتمع، ويسهم فعليا في تجاوز ارتفاع معدلات البطالة بصورتها الراهنة، وتحديدا تلك التي تعد مرتفعة جدا بين صفوف الشباب والفتيات. والتأكيد على أن مخاطر استمرار التضارب حول أهم مؤشر يعكس حالة سوق العمل ممثلا في معدل البطالة، عدا التضارب في البيانات الصادرة عن عدد من الأجهزة الحكومية حول أوضاع سوق العمل المحلية، أنه يهدد نجاح وتقدم أغلب الجهود والبرامج الهادفة إلى رفع مستويات التوطين، وأنه سيحدث في كثير من جوانبها اختراقات تؤدي بها إلى مزيد من التشوهات عوضا عن معالجتها كما كان مخططا له.
حينما تكون المعوقات التي تحد من تقدم خطوات الحلول والبرامج، كامنة بصورة أكبر في الأجهزة المعنية بتنفيذ السياسات والبرامج التنموية، فأنت حينئذ أمام أكثر من تحد جسيم! ولا يمكن لأي جهود أن تنجح في تجاوز التحديات التنموية المستهدفة بالحل والمعالجة، في الوقت ذاته الذي تجد أن الأدوات المعتمد عليها تعاني قصورا أو خللا من أي نوع. لا بد من معالجة تلك المعوقات وأوجه القصور إذا وجدت، والعمل في خطوة تالية على التصدي الحقيقي واللازم للتحديات التنموية المستهدفة، وخلاف ذلك ستجد أنك قد تدور حول نفسك لعدة سنوات أو حتى عدة عقود، دون أن تخرج من دائرة المشكلة التي أنت بصدد معالجتها، وقد تجد أن الأمور أصبحت أكثر تعقيدا، ذلك أن ما تحاول بجهودك الراهنة لأجل الحد منه (البطالة، الاستقدام)، قد تفاقم بصورة أكبر مما كان متوقعا عبر السنوات التالية، وقد تجد نفسك أمام تحديات تنموية أكبر بكثير مما كانت عليه في بداية الفترة!
إن تلمس الاختلالات الحقيقية في سوق العمل المحلية واكتشافها لا يعد الخطوة الأصعب، بل هي الخطوة الأسهل من غيرها مقارنة ببقية الخطوات الأخرى، على الرغم مما يتطلبه عمل اكتشاف الخلل في السوق من جهود مضنية، إلا أنه يظل الأدنى مقارنة بما سيليه من جهود لازمة البذل، والعمل على ترجمتها على أرض الواقع، تبدأ بضرورة إصلاح شامل لأوضاع منشآت القطاع الخاص، والانتقال بها تدريجيا وفق سياسات وبرامج شاملة، تتجاوز حدودها كثيرا مسؤوليات وصلاحيات وزارة العمل، لتشمل أجهزة حكومية أخرى في مقدمتها وزارة التجارة والاستثمار، وجميع الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بالشأن الاقتصادي والمالي والاستثماري، غطى جوانب كثيرة منها عديد من البرامج التنفيذية لـ "رؤية المملكة 2030"، لم يبق إلا أن تندفع الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بها، نحو تنفيذها والعمل على ترجمتها بخطوات أكثر سرعة وفعالية، وفق منظومة عمل متكاملة، وأن يبدأ عديد من تلك الأجهزة الحكومية التخلي عن برامجها القديمة المنفردة، التي أظهرت نتائج الواقع اليوم أنها بعيدة جدا عن الأهداف العريضة، التي رسمتها هي بنفسها قبل عدة أعوام. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
هناك تخبط فى تعريف (البطالة). البطالة لدينا بطالة وظائف لا بطالة عمل بمعنى أن المجتمع ينفر من العمل فى مجالات المهن والحرف التى تشكل 90% من نشاط القطاع الخاص. بإختصار الكل يبحث عن (وظائف) حتى خريجى المعاهد الفنية والمهنية التى أنشأتها الدولة منذ أكثر من 60 عام قد إختفوا. أنظروا بأنفسكم أين ذهب هؤلاء الخريجين !! ؟