ليس عضو مجلس الشورى الوحيد الذي لم يقنعه أن معدل البطالة بين السعوديين 12.8 في المائة بنهاية الربع الثالث من 2017، على الرغم من الاختلاف الكبير معه حول ما ذهب إليه من أن المعدل يقف على حد قوله عند مستوى 34 في المائة! وهو الجدال الذي أخذ صدى إعلاميا طوال أيام الأسبوع الماضي، سيأتي الحديث حوله في الفقرات القادمة من المقال. ثم يأتي النقاش حول ما ورد في البيانات الأخيرة للتأمينات الاجتماعية من خروج أكثر من نصف مليون عامل وافد خلال 2017، وفي المقابل توظيف نحو 121.8 ألف عامل مواطن ومواطنة، وهو الأمر الإيجابي من دون شك أن تتم زيادة التوطين في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة المتباطئة إلى حد ما، إلا أنه يقتضي دراسته ومعرفة أسبابه للاستفادة من النتائج لتحقيق مزيد من التقدم على هذا الطريق.
أخيرا وليس آخرا؛ عزم مجلس الشورى خلال الأسبوع القادم، مناقشة مقترح مقدم من أحد أعضائه، والتوصية برفع الحد الأدنى للأجور الشهرية للموظفين السعوديين المسجلين في التأمينات الاجتماعية إلى 5 آلاف ريال شهريا، وهو التحدي الكبير المحتمل أن يواجه عدم قبول من غالبية الأعضاء، قياسا على ضخامة أعداد العاملين من المواطنين والمواطنات في القطاع الخاص، الذين تقع أجورهم الشهرية تحت هذا الحد الأدنى الجديد المقترح، ووفقا لأحدث بيانات التأمينات الاجتماعية (الربع الثالث 2017) تجاوزت أعداد العاملين المواطنين الذين تقع أجورهم الشهرية تحت مستوى 5 آلاف ريال شهريا نحو 1.1 مليون عامل وعاملة من المواطنين؛ أي ما تصل نسبته من إجمالي العمالة الوطنية في القطاع الخاص إلى نحو 68 في المائة. إن توقع أن يواجه هذا المقترح عدم قبول من غالبية أعضاء المجلس قائم على عدد من الاعتبارات التي قد يتحجج بها عديد من الأعضاء، كضرورة عدم رفع كلفة تشغيل العمالة الوطنية على منشآت القطاع الخاص، في الوقت الذي يواجه فيه القطاع ارتفاع كلفة التشغيل والإنتاج نظير الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة، إضافة إلى الاحتجاج بأن الإقدام على مثل هذا القرار قد يؤدي إلى الحد من توظيف المواطنين والمواطنات، ويقلص بدوره من مستويات التوطين، ما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بوتيرة أسرع مما هي عليه الآن، وغيرها من الحجج التي قد تتبناها الأصوات الرافضة للمقترح تحت قبة المجلس، ورغم قوة حجتها في الظاهر، إلا أن التفكير والعمل على تنفيذ هذا المقترح وفق آليات ومنهجية متكاملة تعمل على إصلاح كامل التشوهات الاقتصادية عموما، والتشوهات الخاصة بسوق العمل المحلية، سيكفل دون أدنى شك النجاح المأمول لمثل هذه الخطوة اللازمة، لزيادة إقبال المواطنين والمواطنات على قبول فرص العمل الأكبر والأوسع أعدادا في القطاع الخاص، مقارنة بمثيلاتها في القطاع الحكومي، سيكون له حديثٌ أوسع قادم بإذن الله تعالى.
أمام معضلات عدم القدرة على قراءة بيانات سوق العمل بصورة دقيقة، وفي ظل استمرار التضارب في الآراء حول أهم مؤشر يعكس وضع السوق ممثلا في معدل البطالة، عدا التضارب في البيانات المصدرة من عدد من الأجهزة الحكومية حول أوضاع سوق العمل المحلية، يمكن القول إن كثيرا من الجهود والبرامج الهادفة إلى رفع مستويات التوطين معرضة بدرجة كبيرة لعدم النجاح والتقدم، ويمكن أن تحدث في كثير من جوانبها اختراقات ستؤدي إلى زيادة التشوهات لا إلى معالجتها.
فحتى تاريخه لم تتمكن الهيئة العامة للإحصاء من تحقيق درجة عالية، تعكس الثقة في منهجية احتسابها لمعدل البطالة! وما تشهده من فترة إلى أخرى من ردود أفعال، بعضها رسمية كمجلس الشورى، اعتراضا على تقديرات الهيئة لمعدل البطالة، ليس إلا قشة في كومة أكبر من الاعتراضات، ويكفي القول هنا كمؤشر قوي وصريح على ضعف حيثيات معدل البطالة الصادر من هيئة الإحصاء، إننا حينما نبحث في معدل البطالة للإناث السعوديات البالغ 32.7 في المائة بنهاية الربع الثالث من 2017، فسنجد أننا سنصطدم بتضارب أرقام الهيئة نفسها في هذا الخصوص تحديدا! فالهيئة تشير إلى أن قوة العمل من الإناث السعوديات بلغت للفترة نفسها 1.245.196 كقوة عمل من السعوديات، لكن حينما نقوم بجمع العاملات السعوديات في السوق والمتعطلات عن العمل يصبح الناتج 1,435,076 كقوة عمل من السعوديات، سنجد هنا أننا أمام فروق بين الرقمين تصل إلى نحو 190 ألف عاملة! علما بأن هذا الفارق لا يوجد بالنسبة لبيانات العمالة الذكور السعوديين، فهل من تفسير مقنع من الهيئة العامة للإحصاء لهذا التضارب في بياناتها نفسها؟ كيف يمكن فهم أن يكون مجموع العاملات والعاطلات الذي يمثل ناتجه إجمالي القوة العاملة للإناث أعلى من الرقم الذي أفصحت عنه في بياناتها نفسها بنحو 190 ألف عاملة؟! علما بأن الأرقام ذاتها بالنسبة إلى الذكور لما يظهر عليها هذا التضارب.
أخيرا؛ بالنسبة لبيانات زيادة التوظيف التي استندت التأمينات الاجتماعية إليها، كان مفترضا فرز تلك الزيادات حسب القطاعين الحكومي والخاص، ذلك أنه يوجد نحو 10.8 في المائة (نحو 204 آلاف عامل وعاملة) من العاملين والعاملات السعوديين، يمثلون موظفين وموظفات في القطاع الحكومي كمشتركين في التأمينات الاجتماعية؛ للتعرف على الزيادة الفعلية والحقيقية التي حدثت في أعداد العاملين والعاملات في القطاع الخاص، وحينما يتم نشر البيانات بشكل تفصيلي لاحقا، فقد تجد وزارة العمل والتأمينات الاجتماعية نفساهما في موقف حرج للغاية أمام الرأي العام، وجميعنا يأمل فعلا أن يكون القطاع الخاص خلف كامل الزيادة في توظيف المواطنين والمواطنات، وفقا لما كشفت عنه الوزارة والتأمينات الاجتماعية، البالغ عددها 121.8 ألف عامل وعاملة خلال 2017.
ختاما، لن يخدم أبدا صانع القرار إلا أن تأتي البيانات حقيقية تعكس الواقع كما هو، دون أي تجميل أو تحريف لما هي عليه فعلا، بل سيلحق بقراراته وإجراءاته المتخذة كبير الضرر، ولن تقف تلك الأضرار عند حدوده فقط، بل ستتعداها إلى الإضرار الكبير بمقدرات الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، وهذا ما يجب أن يكون مستقرا في ذهنية كل القائمين على معالجة وإصدار أي بيانات أو معلومات تتعلق بالاقتصاد الوطني ومختلف نشاطاته، وللحديث بقية. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
بربره فاضيه ما يعرف وش يبي هذا الكاتب