انعدام الريعية لا يعني الاستدامة

10/10/2017 3
عبدالله بن سالم السلوم

في دراسة لحسين مهدفي تحت عنوان "الأنماط والمشكلات في التطور الاقتصادي في الدول الريعية: دراسة حالة إيران"، والتي نشرت عام ١٩٧٠ في مجلة جامعة أكسفور، تم افتراض تعريف الاقتصاد الريعي على أنه اقتصاد يعتمد بالغالب أو بالكامل على إيرادات مصدر دخل واحد، وبه تكون خصائص الدولة الريعية متمحورة حول ١) السيطرة الكاملة للحكومة على مصدر الدخل و ٢) عدم اعتماد مصدر الدخل على الإنتاجية المحلية و ٣) جزء ضئيل من السكان يساهم في الإدارة والتصدير اللذان يكفلان مصدر الدخل هذا.

لا شك في أن الدراسة - في تلك الأيام - مصدر إلهام للعديد من الاقتصاديين، كونها نشرت حول مفهوم جديد. مفهوم بدأ بتفسير التغيرات الاقتصادية في المنطقة بعد ظهور النفط والغاز. الأمر الذي صنع اقتصادات متينة على الرغم من اعتمادها على مصدر واحد كالنفط والغاز. ولكن، وفي زمن تجتهد به العقول من أجل إيجاد سبل للانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد آخر يفوقه متانة، لنفترض اعتماد الخليج على مصدر دخل آخر لا يستنزف ثروة طبيعية كالنفط والغاز، كإيرادات البرمجيات. على افتراض تميز سكان الخليج في دراسة البرمجيات وتطبيقها، ليكون الخيار الأول لأي مشروع تقني حول العالم. فهل سيشكل ذلك اقتصاد ريعي؟ لا شك في أن هذا الافتراض يتنافى مع خصائص الدولة الريعية، فمصدر الدخل هنا يعتمد على الإنتاجية المحلية بشكل واسع، وجزء كبير من السكان يساهم في الإدارة والتصدير اللذان يكفلان مصدر الدخل، بالإضافة إلى عدم سيطرة الحكومة على مصدر الدخل هذا. ولكن، هل يعني - كونه اقتصاد غير ريعي - أنه مستدام؟ إن افتراض انتهاء زمن البرمجة جراء ظهور تقنية تفوقها مهنية جدير بقتل اقتصاد الخليج حسب افتراضنا الأول. بذلك نستنتج أنه يمكن التيقن بعدم استدامة الاقتصاد الريعي، ولكننا في الوقت ذاته لن تستطيع التقين باستدامة الاقتصاد غير الريعي.

 

المخطط السابق مثال حي على دورة الاقتصاد الكلي في دولة ريعية، على افتراض توافقها مع الخصائص المذكورة بالدراسة. يُظهر المخطط (باللون الأحمر) الاعتماد الكلي لاقتصاد هذه الدولة على إيرادات صادراتها من الثروة المحلية، يتم استثمارها في الإنتاج والتصدير والتوظيف، ويستهلك جزء منها في مصاريف أخرى كمؤسسات الدولة وهيئاتها، ويتبقى منها الربح غير المستدام. لا شك في أن هذا الربح سيتوقف فور انتهاء صلاحية الثروة المحلية التي هي سبب ريعية هذا الاقتصاد. أما المخطط (باللون الأخضر) فما هو بذاك الوزن في التأثير على الاقتصاد الكلي للدولة. فاعتماده بالغالب على استهلاك المخطط الأحمر، والذي هو بنهاية الأمر قائم على صادرات الثروة المحلية. ففي حال انتهاء تلك الثروة فالأمر بلا شك سيؤثر على كلا المخططين، الأحمر والأخضر. دول الخليج مثال جدير بالذكر. القطاع الخاص بشكل كامل، وفي جميع قطاعاته المتفرعة، تأثر سلبا جراء الخطط الحكومية في ترشيد الإنفاق، والسبب يكمن وراء اعتماد المخطط الأخضر على الأحمر.

 

أولوية التحول إلى اقتصاد مستدام تأتي من خلال تركيز إيرادات صادرات الثروة المحلية في تحفيز إيرادات صادرات الإنتاج القومي، أي من خلال استغلال المخطط الأحمر في صنع مخطط أخضر متين. فالعمل يبدأ أولا في إلغاء الرسوم الجمركية في حال كانت الواردات مواد أولية. يأتي بعد ذلك رفع الرسوم الجمركية على الواردات التي تتوفر من خلال مُنتج محلي، الأمر الذي يحفز الاستهلاك المحلي تجاه نظيره الخارجي، وبه تنخفض مصاريف الواردات. وآخرا، استغلال إيرادات صادرات الثروة المحلية في تسهيلات وتوصيات ودعم للقطاع الخاص، ويكون التمييز بين شركات هذا القطاع مبني على حجم الصادرات الخاصة بكل منها. بذلك، يتوجه استهداف القطاع الخاص مباشرة إلى المستهلك الخارجي لا المحلي كما يحصل في دول الخليج الآن.

بسبب الريعية التي يعتمد بها المخطط الأخضر على استهلاك المخطط الأحمر نجد العديد من شركات القطاع الخاص تتوسع إقليميا مستنزفة التدفق النقدي المحلي في بناء امبراطوريات في الخارج. وبسبب التنافس الشرس في الخارج، تجدها تخفض من أسعارها في الخارج معتمدة على ارتفاع الهامش الربحي في الداخل. وكأن صرف الاستهلاك المحلي في الخارج هو ما يكفل خطط توسع القطاع الخاص. الأمر الذي يتنافى بالكلية مع مفهوم الاقتصاد المستدام.

لا شك في أن صنع المخطط الأخضر جدير بصنع تنوع في القطاع الخاص. تنوع قائم بذاته، يستمد طاقته من نفسه عن طريق إعادة تصنيع مواد أولية يستخرج بها، واستثماره بنفسه وبالعقول التي هو قائم عليها، تصنيع ما هو جدير بثقة المستهلك الأجنبي الذي هو من سيصنع تلك الزيادة المستمرة في إيرادات الإنتاج القومي. القيام بالذات هو ما ينهي الريعية، والتنوع هو ما يصنع الاستدامة!

 
خاص_الفابيتا