"قيمة دينار اليوم أعلى من قيمته بعد سنة" .. هذه القاعدة تعد أساسا تمويليا أخذ في عين الاعتبار أفضل احتمالات العائد على الاستثمار ألا وهو الربحية. الاقتراض بمفهومه التمويلي قائم على القيمة الزمنية للمال، والتي من خلالها يتم سداد أصل الدين لاحقا مضافا إليه قيمة الفائدة المرتبطة بالزمن. وإن اختلفت الآليات، تقليدية كانت أم تم ادعاء شرعيتها، فهي مرتبطة ارتباطا وثيقا مع القيمة الزمنية للمال.
وقد بنيت الأنظمة المالية على هذا الأساس القائم على الفائدة، وتمحورت حتى وصلت إلى النظام المالي المعاصر (فيات أو ورقي) الذي يستمد قيمته العائمة عن طريق التحكم بالتدفق النقدي من خلال رفع أو خفض تلك الفائدة. فالبنوك المركزية التي تدير عملات عائمة ترفع فائدة عملتها السنوية من أجل خفض المعروض من العملة المواجهة لطلب ثابت؛ صانعة بذلك ارتفاعا في كل من الندرة والقيمة لهذه العملة، والعكس بالعكس.
وتشير بعض الفلسفات الاقتصادية بالإشادة لهذه الآلية التي تجعل الندرة مدارة من قبل جهات رسمية. فإن كانت الندرة ثابتة كالعملة السلعية المرتبطة بالذهب - قبل عام ١٩٧١ - لتزامن ارتفاع التعداد السكاني الذي ينتج عنه زيادة في الإنتاج مع انخفاض قيمة السلع والخدمات بشكل واضح؛ ويعود السبب في ذلك إلى ثبات كمية النقد. فتساؤلات تلك الفلسفات تحوم حول الاستثمار المعني برؤوس أموال الأغنياء فقط والتي تستنكر الاستثمار في إنتاج يمكن لسعره أن ينخفض لاحقا، الأمر الذي يساهم في حبس رؤوس الأموال انتظارا لهذا الانخفاض الذي يمكن الاستفادة منه برأس مال ثابت. ولم تتطرق تلك الفلسفات الى أن ثباتا كهذا قد يغير مفهوم الإقراض. فالغني يمكنه بذلك إقراض الفقير دون مقابل يذكر غير النجاح في الإنتاج، وبذلك تنخفض قيمة السلع والخدمات ويسد الدين بأصله فقط والذي أصبحت قيمته تأتي بخدمات وسلع أكثر من السابق، بسبب الإقراض لشخص ساهم في زيادة الانتاجية!
المنظومة المالية لم تستطع مواجهة التصحيح التلقائي لهذا النظام الذي ليس لها عليه سلطة يمكن استغلالها بالشكل الذي تطمح له، فظهر لنا النظام المالي الحالي - في عام ١٩٧١ - تتحكم بندرته الاقتصادات العالمية وإنتاجيتها وتحالفاتها السياسية والاقتصادية. نظام تراه المنظومة يعيد ربط النظام المالي بالقيمة الزمنية للمال والذي تصبح به القيمة الحالية PV أكبر من القيمة المستقبلية FV. بمعنى آخر، "دينار اليوم أغلى من دينار الغد". ففي حال كان ربح تجارتك اليوم مائة ألف دولار أمريكي، فقيمتها قبل سنة تعادل أقل من ذلك كون فائدة الاحتياطي الفيدرالي أكبر من الصفر، والعكس بالعكس. وكلما زاد التعداد السكاني والإنتاجية في بلد عملته عائمة، كلما انخفضت ندرة المال الذي تملكه بحجة تثبيت أسعار السلع والخدمات أو المساهمة في رفعها تدريجيا بما يسمى التضخم؛ من أجل التحفيز على الاستثمار. نظريا، وكأن لسان حال هذا النظام يقول: "لا تحتفظ بالمال، فانخفاض قيمته مستمرة". فهل يعد هذا المال مخزنا للثروة؟
أما الهجوم أو التشكيك في الشرعية الاقتصادية وليست الدينية للعملة الافتراضية - كمفهوم - من خلال ترويج تذبذب قيمتها وعدم وجود جهة مركزية تضمن الحقوق وتدير العمليات فهذا أمر لا يقبله عقل كل من يدرك فلسفة النظام المالي. فهذا النوع من العملات هو ما يصحح المسار جاعلا هذا النوع من المال مخزنا حقيقيا للثروة، والسبب هو شبه ثبات ندرته أو زيادتها مقابل الزيادة في التعداد السكاني المتزامن مع الزيادة في الإنتاجية فقط. فمن باع اليوم أحق بندرة تفوق ندرة ما يجنيه بائع الغد، والسبب يكمن وراء السبق، لا العكس!
ما يهدد المنظومة المالية ليس عدم مركزية آلية عمل العملة الافتراضية أو احتمالية سوء استخدامها وحسب، بل التأثير المباشر على سلطتها المطلقة، وذلك من خلال قلب أساسيات التمويل رأسا على عقب، والتي بها تصبح القيمة المستقبلية FV أكبر من القيمة الحالية PV في المال الافتراضي في حال زيادة التعداد السكاني والإنتاجية فقط، وهو الأمر الأكثر صحة للاقتصاد العالمي. عندها، لن تكون الندرة مدارة من قبل جهة مركزية تستمد بذلك نفوذها السياسي، بل ندرة تدار ذاتيا واقتصاديا فقط دون تدخل عوامل خارج دائرة الإنتاج والتطوير. فهل لتلك المنطومة أن تقبل بمال يعيدنا لزمن اقتصادي أكثر جدوى من زمن هربت هي منه في عام ١٩٧١ من أجل أطماع اقتصادية وسياسية؟
خاص_الفابيتا
مقال جميل ،، لفت نظري أنك متأكد أن العملة الافتراضية نادرة ،،، هناك أكثر من ١٥٠٠ عملة افتراضية تزداد يوميًا
الندرة و العودة إلى الي ما قبل ١٩٧١ حلم اقتصادي لا يوشك أن يقع