شهدت الصناعة النفطية الإيرانية الكثير من المتغيرات عبر تاريخها منذ اكتشاف النفط في الأهواز سنة 1908م وحتى وقتنا الحالي. شاب العلاقة بين إيران من جهة وبين الشركات النفطية العالمية والدول الغربية من جهة أخرى الكثير من التوتر بعد قيام الثورة. في الآونة الأخيرة، تتجه هذه العلاقة إلى توافق وشبه انسجام بين الطرفين تجمعها المصلحة الاقتصادية المشتركة على الرغم من الخلافات السياسية مع أفضلية نسبية للإيرانيين.
كيف تطورت العلاقة لتصل إلى هذه الصيغة؟ لعل إعادة النظر في نشأة هذه العلاقة ووضعها في سياقها التاريخي يساهم بشكل كبير في فهم حاضر واستشراف مستقبل إيران النفطي ودورها المحتمل في تغيير موازين السوق العالمية. في هذا الجزء من المقال سألخص أهم المحطات التاريخية التي مرت بها الصناعة النفطية الإيرانية وأبرز ملامحها مع مراعاة الحيادية والشمولية.
1- هيمنة الشركات النفطية العالمية (1908 – 1978م):
يرجع الفضل في تأسيس وازدهار شركة النفط البريطانية بريتش بتروليوم (BP) العريقة إلى اكتشاف النفط في حقل مسجد سليمان في إقليم الأهواز العربي سنة 1908م. فبعد هذا الاكتشاف التاريخي، حصلت شركة بريتش بتروليوم، والتي كانت تعرف حينها باسم شركة النفط البريطانية الفارسية، على عقود امتياز نفطية حصرية في جنوب إيران لما يربو على 70 سنة وخلال تلك الفترة قامت ببناء مصفاة عبادان في الأهواز والتي حافظت على مكانتها كأكبر مصفاة نفط عالمية لما يربو على 50 سنة منذ إنشائها. لم تكن بريتش بتروليوم اللاعب الوحيد، فقد سارعت العديد من الشركات النفطية العالمية إلى الاستثمار في إيران وقامت الحكومة الإيرانية بمنح حقوق امتياز للعديد منها لأسباب جيوسياسية واقتصادية حينها.
كانت شروط الشركات الدولية في التعاقد مجحفة حيث كانت الحكومة الإيرانية تحصل على نسب لا تتجاوز الـ 20٪ كحد أدنى من صافي أرباح مبيعات النفط من شركة بريتش بتروليوم كما أن الأجور الممنوحة للعاملين في الحقول النفطية كانت متدنية والوظائف الهندسية كانت محصورة على المهندسين من الشركات الأم.
هذه الأسباب وغيرها دفعت الحكومة الإيرانية إلى إعادة التفاوض مع الشركات العالمية على شروط التعاقد لكنها لم تصل إلى توافق، مما حدا برئيس الوزراء محمد مصدق إلى إعلان تأميم الصناعة النفطية الايرانية في سنة 1951م، ولكن سرعان ما تم إعادة صياغة الاتفاقيات والمشاركة مع الحكومة الايرانية ومناصفة الأرباح مع قيام الحكومة بتأسيس شركة النفط الحكومية الإيرانية سنة 1954م. في سنة 1960م، شاركت إيران في تأسيس منظمة أوبك في محاولة منها ومن الدول الأعضاء كبح هيمنة الشركات النفطية العالمية على الصناعات النفطية المحلية وعلى مبيعات النفط الدولية.
2- الصناعة النفطية الإيرانية بعد الثورة (1978 – 2016م):
بلغ إنتاج النفط 6.6 مليون برميل يوميا في عام 1978م وهو أعلى معدل تاريخي في تاريخ الصناعة النفطية الإيرانية، لكن الشركة الحكومية لم تستطع الحفاظ على هذا المعدل عقب مغادرة الشركات النفطية العالمية البلاد بعد اندلاع الثورة وفرض عقوبات دولية على إيران بعد احتجاز رهائن مما أدى إلى توقف وتيرة نمو الصناعة النفطية. تدهورت الصناعة النفطية بشكل كبير خلال الحرب العراقية الإيرانية في الفترة بين 1980 و1988م، حيث تم استهداف العديد من المنشآت النفطية الحيوية خصوصًا في إقليم الأهواز وتذبذب إنتاج إيران خلال تلك الحقبة بين 500 ألف برميل و3 مليون برميل نفط يوميًا.
في عهد الرئيس محمد خاتمي، قامت الحكومة الإيرانية بتوقيع العديد من اتفاقيات تطوير حقول نفطية وغازية ومشاريع بتروكيماوية مع عدد من الشركات النفطية الدولية خصوصا في قطاع الخدمات، ومرت الصناعة النفطية الايرانية بنقلة نوعية لكنها سرعان ما انتكست مع مغادرة الشركات الدولية حينما خضعت إيران لعقوبات دولية مرة أخرى هي الأشد من نوعها بسبب برنامجها النووي، حيث انخفضت الصادرات النفطية بمقدار 1 مليون برميل يوميًا وبسببها انخفضت الإيرادات النفطية بما يعادل الـ 60 بليون دولار في 2012م، مقارنة بعام 2011م حسب تقرير صندوق النقد الدولي آنذاك.
على الرغم من هذه العقوبات المفروضة على إيران إلا أن الصناعة النفطية الإيرانية ظلت متماسكة حيث قامت بتصنيع المعدات النفطية على أراضيها وتطوير تقنيات عديدة كتقنية الحفر البحري العميق في بحر قزوين.
ولتخفيف وطأة العقوبات وفتح أسواق جديدة، واصلت إيران التفاوض والتعاقد مع شركاء إقليميين على مشاريع في قطاع الغاز. فبعد أن كانت إيران تجري مفاوضات مع باكستان وتركيا لإمدادهما بالغاز الايراني عبر خطوط أنابيب برية، قام بيجن زنغنه بعد توليه حقيبة وزارة البترول في 2013م بتوسيع نطاق المفاوضات ليشمل إمداد سلطنة عمان والكويت بالغاز عبر أنابيب تحت البحر لكن المفاوضات مع الكويت توقفت في حين أن سلطنة عمان وباكستان ماضيتان قدمًا.
3- التحالف مع الشركات الدولية بصيغة جديدة (2016م – حتى الآن):
في يناير 2016م تم رفع العديد من عقوبات الأمم المتحدة عن إيران بعد الوصول إلى تسوية فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي برعاية أوروبية. على الرغم من انهيار أسعار النفط في عام 2015م إلا أن هذا لم يثني وزارة النفط الإيرانية عن المضي قدمًا في تطوير حقولها ومشاريعها البتروكيماوية حيث قام وزير النفط بيجن زنغنه في خطوة غير مسبوقة بالإعلان عن مناقصات لتطوير الحقول الإيرانية خصوصا في منطقة الخليج العربي. قامت ما يقارب 30 شركة نفطية عالمية (باستثناء الشركات الأمريكية بسبب تمديد العقوبات الأمريكية بعد التجارب الصاروخية الباليستية) بالتقديم على هذه المناقصات على الرغم من العلاقات التاريخية المتوترة بين إيران وبعض هذه الشركات وعلاقات إيران الإقليمية المضطربة مع جيرانها.
فازت شركة توتال الفرنسية بعقد امتياز تطوير حقل جنوب فارس المشترك مع حقل الشمال القطري وباستثمار قدره 4.8 بليون دولار وهذا الحقل بجانبيه القطري والإيراني يصنف كأضخم حقل غازي في العالم. شهدت المناقصات إقبالًا من الأتراك على الرغم من الخلافات القائمة بين البلدين حيث فاز تحالف من شركة الطاقة التركية وشركة نفطية روسية وجهة استثمارية إيرانية بعقد تطوير 3 حقول نفطية بالإضافة إلى حقل غازي شمال إيران في صفقة بلغت قيمتها 7 بلايين دولار.
لماذا تتهافت الشركات النفطية على إيران؟ وما هي أبرز التحديات القادمة خصوصًا لدول الخليج العربي؟ في الجزء الثاني من هذا المقال سأجيب على هذه الأسئلة.
خاص_الفابيتا
مقال جيد استاذ ماجد ومعلومات مفيدة. بانتظار الجزء الثاني.
مقال رائع. بانتظار الجزء الثاني
مقال رائع مهندس ماجد والأهم المعلومات الثرية المفيدة.
مقال فيه كمية تشاؤم كبيرة
الشركات النفطية تتهافت على النفط الخليجي بضفتيه دائماً وأبداً لضخامة الكميات ورخص التكلفة، كذلك استغلال حالة العداء بين الضفتين للحصول على افضل العروض وبالتالي أعلى الأرباح.
شكرا أخي الفاضل ماجد