الشركات النفطية الحكومية في الخليج العربي: ما لها وما عليها (2-3)

29/04/2018 0
م. ماجد عايد السويلم

على الرغم من التباين في إدارة الشركات الحكومية للموارد النفطية في الخليج العربي إلا أن هنالك العديد من العوامل المشتركة. في هذا المقال، سأتحدث بإسهاب عن أبرز الإيجابيات التي تجمع بين هذه الشركات وهي في وجهة نظري كالتالي:

1-كفاءة ادارة الحقول البترولية والتحكم التام بالموارد 

احتكرت الشركات الدولية الصناعة النفطية في الخليج العربي وتحكمت بأسعار النفط ومعدلات الانتاج لعقود طويلة حتى سنة 1960 عندما تأسست منظمة أوبك والتي كانت البداية لكسر هيمنة هذه الشركات وتحكّم دول المنطقة بمواردها النفطية Sovereignty.

لم تكن عملية التحول سلسة حيث خاضت دول المنطقة العديد من المفاوضات حتى تكللت عملية التأميم أو الشراكة مع الشركات الدولية بالنجاح. استلمت الكفاءات الوطنية زمام الأمور في الشركات الوطنية الحديثة التأسيس بسبب الخبرات التي اكتسبوها من الشريك الأجنبي وقاموا بإدارة الحقول النفطية بكفاءة ومهنية عالية أو تطوير تقنيات بالشراكة مع الشركات الدولية.

فالآبار النفطية في الحقول النفطية الخليجية، على سبيل المثال، هي الأقل عالميًا في إنتاج الماء المصاحب للنفط والذي يكلف الكثير لفصله ومعالجته وإعادة ضخه تحت الأرض ويُعزى السبب في انخفاض معدلات المياه إلى ترشيد الانتاج من الآبار حيث أن الكثير من الشركات النفطية الخليجية لا تنتج النفط من الآبار عند طاقتها القصوى تفاديًا لإلحاق أي ضرر بالمكامن النفطية ولإطالة عُمْرها وهذا إحدى أبرز ايجابيات الشركات الحكومية. 

يتم تطبيق العديد من التقنيات الحديثة للحفاظ على ثبات وزيادة معدلات الانتاج في العديد من الحقول كتقنيات الحفر الأفقي البعيد المدى في حقل الشيبة السعودي أو ضخ البخار الذي تم توليده باستخدام الطاقة الشمسية وضخه في المكامن النفطية لتسييل النفط الثقيل في حقل أمل الذي تشرف عليه شركة تنمية نفط عمان. على النقيض، كان لسوء اختيار التقنية وسوء تطبيقها في حقل كانتاريلCantarell  الذي تديره الشركة الحكومية المكسيسيكية سببًا رئيسيًا في تدهور إنتاج الحقل من مليوني برميل يوميًا في 2002 إلى 250 ألف برميل حاليًا ومثل هذا لم يحدث في أي من الحقول النفطية في دول الخليج العربي.

على الرغم مما سبق، شكك بعض الاقتصاديين والاعلاميين بكفاءة ادارة الشركات الحكومية لمواردها بل منهم من زعم أن الانتاج قد وصل إلى الذروة كماثيو سيمونز Matthew Simmons والذي زعم في كتابه الشفق في الصحراء Twilight in the Desert أن انتاج المملكة وصل إلى الذروة وأن حقل الغوار في مرحلة النضوب وها هو الغوار ما زال محافظًا على معدلات الانتاج.

2-الإنفاق السخي على الأبحاث والتطوير

تدعم معظم الشركات الوطنية بسخاء الأبحاث النفطية في الجامعات الحكومية ومراكز الأبحاث المتخصصة خصوصًا تلك التي لها علاقة بالتحديات التي تواجهها هذه الشركات كتقنيات استخلاص النفط الثقيل وعمليات الاستخلاص المعزز للنفط Enhanced Oil Recovery . منها من ذهب إلى أبعد من ذلك ببناء جامعات متخصصة كأدنوك الاماراتية والتي استثمرت في تأسيس المعهد البترولي الجامعي وقامت باتبعاث الكثير من موظفيها للدراسة فيه ومنها من قام ببناء مراكز أبحاث كأرامكو السعودية والتي قامت بتأسيس مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية والذي تم تدشينه في 2013.

3-تدريب وتأهيل الشباب:

استثمرت الكثير من الشركات الحكومية في ابتعاث الشباب ودراسة الماجيستير والدكتوراة في تخصصات هندسية وجيولوجية. لم يقتصر الأمر على التخصصات التقنية بل منها من قام ببناء مراكز لتدريب موظفيها على مهارات التواصل وتحديات القيادة كمركز القيادة في أرامكو السعودية والذي يشرف على تدريب القياديين من الشباب ومنها كشركة نفط الكويت قام بابتعاث نخبة مختارة من موظفيها الشباب لدراسة الماجسيتير في إدارة الأعمال من جامعات عريقة كهارفارد وبوسطن الأمريكيتين بهدف إعدادهم لتولي مناصب قيادية في الشركة.

ذهبت أدنوك الإماراتية إلى أبعد من ذلك حيث أعلنت مؤخرًا عن تعيين فاطمة النعيمي كرئيسة تنفيذية لشركة أدنوك للغاز المسال التابعة لها في سابقة هي الأولى في الخليج العربي حيث لم يسبق لسيدة أن تولت مهام رئاسية لشركة نفطية حكومية من قبل.

4-ارتفاع الحس الوطني واستقلالية اتخاذ القرار

يشعر العاملون في الشركات الوطنية بالإنتماء وبمسؤولية عالية تجاه الحقول النفطية التي تشرف عليها شركاتهم.  يعزى السبب إلى الثقة التي منحتها الحكومات للكفاءات الوطنية مما ساهم في تعزيز انتماء الموظفين لشركاتهم والحفاظ على الموارد النفطية. وهذا في رأيي السبب الرئيسي الذي ساهم بشكل كبير كفاءة ادارة الموارد النفطية في دول الخليج العربي.

بالمقارنة مع تجربة الشركة الحكومية الفنزويلية، أدى تدخل حكومة الرئيس السابق هيوغو شافيز في ادارة الشركة وفرض أجندة سياسية إلى تدهور الصناعة النفطية وهجرة الكثير من الخبرات إلى الخارج وها هي مؤخرًا تواجه حملة من الاستقالات بسبب قيام الحكومة بترسيم المناصب الادارية العليا فيها إلى قيادات عسكرية في الجيش الوطني لا تفقه في ادارة الموارد النفطية شيئًا.

5-تنفيذ برامج مسؤولية اجتماعية متميزة

تقوم الشركات الحكومية بالمساهمة في مشاريع مسؤولية اجتماعية تهدف إلى تعزيز العديد من القضايا الاجتماعية والبيئية والتعليمية. القضية الأبرز التي تجمعها هي السلامة خصوصًا تلك التي تتعلق بربط الحزام أو استخدام طفاية الحريق. تميز بعضها ببرامج ابداعية كقيام شركة أدنوك الاماراتية بتنظيم مؤتمر ومعرض أبو ظبي الدولي للبترول والذي أصبح أحد أهم المؤتمرات العالمية للعاملين في الصناعة النفطية وقيام أرامكو السعودية ببناء مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي لدعم تحول المملكة إلى اقتصاد معرفي كجزء من رؤية المملكة 2030.

لا تقف إيجابيات الشركات النفطية الحكومية عند هذا الحد بل هي أكثر من ذلك بشهادة موظفيها والمواطنين لكني أكتفي بهذا القدر. في الجزء الأخير من هذه السلسلة سأتطرق إلى المآخذ المحسوبة عليها والدروس المستفادة.

خاص_الفابيتا