لم تتوسع الشركة البريطانية الفارسية والتي تُعرف حاليًا بإسم شركة النفط البريطانية (BP) في عمليات التنقيب بعد أول استكشاف للنفط في الخليج العربي في إقليم الأهواز سنة 1908 بل آثرت التوسع في المشاريع النفطية في إيران وترسيخ تواجدها هناك على التمدد في المنطقة.
خلال تلك الفترة، وقعت المملكة اتفاقية مع الحكومة البريطانية منحت بموجبها الأخيرة حق التنقيب والانتاج في المملكة سنة 1923 إلا أن العقد انتهى سنة 1928 دون احراز أي تقدم. وبعد انتهاء الإتفاقية، أوفد الملك عبدالعزيز وفدًا برئاسة ابنه الأمير فيصل رحمهما الله لبريطانيا للالتقاء بالمبعوث البريطاني لانسلوت أوليفانت Oliphant Lancelot لمناقشة عدة قضايا منها تجديد الاتفاقية والاستثمار المباشر لكن المبعوث البريطاني رفض عرض المملكة ووصف "الظروف" التي تمر بها بريطانيا بالصعبة للإقدام على أي مغامرات مالية.
لكن "الظروف" تغيرت حيث منحت المملكة حق الامتياز لشركة ستاندرد أويل – كاليفورنيا الأمريكية والتي سبق لها استكشاف النفط في البحرين سنة 1931 حيث قامت الشركة باستكشاف النفط في حقل الدمام سنة 1935 مما أشعل السباق بين الشركات النفطية الدولية في المنطقة والذي استمر لعقود طويلة حتى سبعينيات القرن الماضي بعد قيام دول الخليج العربي بتأميم الصناعة النفطية تدريجيًا والاشراف المباشر على عمليات التنقيب والانتاج.
ما زال السباق محمومًا بين الشركات الدولية لكن العلاقة تغيرت بشكل جذري بعد التأميم وسأتطرق إلى بعض الأسباب في هذه السلسلة. في الوقت الراهن، تحكم العلاقة بين هذه الشركات وبين دول المنطقة أو شركاتها الحكومية 3 أنواع من العقود وهي كالتالي:
- اتفاقيات انتاج مشترك Production Sharing Agreement كما هو الحال مع شركة تنمية نفط عمان والتي تتشارك استكشاف وتطوير وانتاج النفط مع شل الهولندية وتوتال الفرنسية وبارتكس البرتغالية.
- اتفاقية مناطق امتياز Concession Agreement كما هو الحال مع شركة شيفرون والتي تشرف على استكشاف وتطوير الحقول النفطية في المنطقة المقسومة وتتشارك بحصة من الانتاج مع حكومة المملكة.
- عقود خدمات مشتركة Technical Service Agreement كما هو الحال مع نفط الكويت التي وقعت مثل هذه الاتفاقية مؤخرًا مع شركتي شل الهولندية والبترول البريطانية لتقديم الخدمات لعدد من مشاريعها النفطية القائمة دون حق الشراكة في الانتاج.
ما سبق ذكره مهم لفهم تاريخ الشركات النفطية الحكومية الخليجية وطبيعة علاقتها مع الشركات الدولية وكيفية إداراتها للموارد النفطية وخططها المستقبلية وهذا ما سأتطرق إليه بشكل عام في هذه السلسلة.
تُشرِف الشركات النفطية الحكومية الخليجية والتي يصل عددها إلى 20 شركة مملوكة بالكامل لحكومات المنطقة أو جزئيًا (مع شريك أجنبي) على معظم الاحتياطيات النفطية في دول مجلس التعاون الخليجي والتي تقدر بـ 500 مليار برميل (أي ما يعادل الـ 30% من مجمل احتياطيات النفط العالمية) واحتياطات غاز ضخمة تزيد عن الـ 1460 تريليون قدم مكعب (والتي تعادل 22% من مجمل احتياطات الغاز العالمية) بحسب تقرير شركة النفط البريطانية الاحصائي.
تختلف الشركات النفطية الحكومية في طريقة إدارتها وإنتاجها لمواردها بسبب عدة عوامل منها اختلاف المدارس (الجذور) والظروف التاريخية التي مرت بها دون غيرها والأهداف التي تميزها عن نظيراتها.
معظم الشركات النفطية الحكومية العريقة في الخليج العربي كشركة النفط الكويتية وبترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وتنمية نفط عمان وقطر للبترول هي في الأصل بريطانية قبل تأميمها في حين أن شركتي أرامكو السعودية ونفط البحرين (بابكو) ذات جذور أمريكية وهذه الخلفيات لعبت دورًا رئيسيًا في طريقة إدارة الشركات وأدائها بعد التأميم. بشكل عام، تختلف المدرسة الأوروبية عن نظيرتها الأمريكية في إدارتها للمكامن حيث تتميز الأخيرة باستغلال "الظروف" في حين أن الأولى تميل إلى التريث وهنالك اختلافات أخرى ولكل مدرسة إيجابياتها وسلبياتها.
بالنسبة للظروف التاريخية، مرّت بعضها بظروف إستثنائية كشركة نفط الكويت والتي قامت القوات العراقية بإحراق العديد من آبارها النفطية مما أضر جزئيًا ببعض المكامن النفطية.
بالإضافة لما سبق، تأسست العديد من الشركات الوطنية حديثًا لأهداف معينة تختلف عن تلك التي أُسِّسَت لأجلها الشركات العريقة فـ:
- منها من تخصّص في تطوير الحقول النفطية على المناطق الحدودية كشركة نفط الخليج الكويتية وشركة أرامكو لأعمال الخليج.
- ومنها من تخصّص في استكشاف وتطوير الحقول النفطية حول العالم كالشركة الكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية وشركة دانة غاز الاماراتية.
- وأخرى ركزت على تنقيب واستكشاف الغاز كشركة قطر غاز الأضخم عالميًا في تسييل الغاز الطبيعي وتصديره.
على الرغم من التباين في الأداء بين هذه الشركات وتخصصاتها إلا أن هنالك الكثير من القواسم المشتركة بينها (بشقيها الإيجابي والسلبي).
الجدير بالذكر أن حصر هذه العوامل المشتركة واختزالها في عدة مقالات ليست بالعملية السهلة وقد لا تكون حيادية بسبب شح المعلومات المنشورة لكن حاولت قدر الامكان تبني الموضوعية والاعتماد على البيانات المنشورة على مواقع هذه الشركات وعلى أوراق البحث المنشورة إليكترونيًا وشبكة العلاقات في القطاع النفطي في تقصي المعلومات والتحقق منها.
في الجزء الثاني، سأتطرق إلى ايجابيات ادارة الشركات النفطية العريقة للموارد النفطية مع الاستشهاد بالعديد من الأمثلة والتجارب لديها.