السعودة ليست العصا السحرية!

26/09/2017 3
دلال السميران

هدئ من روعك قبل أن تعارضني، وأترك عاطفتك خارج حدود هذه السطور وتفضل بالقراءة. لأكثر من عقدين تزامنت مشكلة البطالة وقرنت السعودة كحلٍ سحريٍ لها، ومررنا في هذه البلاد بتجارب عِدة رحبت جميعها بحلول السعودة لردع تفشي آفة البطالة، ولكنها فشلت واحدة تلو الأخرى بلا استثناء.

رُجحت أسباب فشل تلك التجارب لعدة أقوال لا أوافق أيًا منها، فلا قلة الرواتب الممنوحة للمواطن تعد السبب ولا عدد ساعات العمل التي زعموا عدم تناسبها مع بيئة المجتمع تعد سببًا مقنعًا! ورغم هذا كله، فقد تم تجاوز هذه الأسباب بوضع حلولٍ لها عن طريق رفع الرواتب ووضع لائحة معنية بضبط ساعات العمل، ولكن دون أي جدوى. وحين تم تسليط الضوء على العمالة الأجنبية كسببٍ يضيق من اتساع الأفق للمواطن، فكانت فكرة رفع تكلفته محاولة أخرى فاشلة، ناهيك عن تعطيل حركة الاستقدام التي شهدناها قبل سنين وكانت كفيلة بعرقلة حركة الأعمال في البلاد آنذاك.

وحتى بعد كل هذه المحاولات الحثيثة يواصل السيناريو سيره وتبقى السعودة الشماعة التي عُلقت عليها مشكلة البطالة حتى أننا غفلنا عن دراسة أبعاد أخرى للمشكلة، فحينما تم العمل بقرار فرض نسب سعودة الموظفين في القطاع الخاص تولدت مشكلة أعظم عرفت بالسعودة الوهمية. فهل يتجلى لكم من كل هذا أن المشكلة أعمق من سعودة قطاع دون أخر، وأن المسألة لن تجد سبيلًا للحل ما زلنا نحفر في ذات الحفرة التي تعثرنا بها. لا تنادي بي قائلًا لدينا كوادر وطاقات، خريجين وخريجات ذوي كفاءة لكنهم عاطلون بلا وظائف في حين أن العمالة الوافدة تجد لها مستقر وظيفي في بلادنا، فهذه ليست المشكلة!

كما أنني وبقناعة تامة لا أعتبر المسألة متعلقة بالأرباح التجارية إطلاقًا أو على الأغلب لو صح التعبير، فزعمنا أن الشركات أو الجهات المسؤولة توظف العمالة الوافدة لأنها اعتادت على رخصها وقلة تكاليفها مما يمكنها من تحقيق أرباح بشكل أكبر من لو وظفت مواطنًا سعوديًا غير صحيح وغير منصف! أذكر جيدًا كيف تكتظ بعض المستشفيات بممرضات من جنوب أفريقيا ونيوزيلندا وكندا، وفي أحد المرات العديدة التي كنت فيها مرافقةً لأمي في المشفى، كانت رعاها الله تحت مسؤولية أحد الممرضات الأفريقيات والتي أصبحنا نألفها وتألفنا نظرًا لتكرار رعايتها للوالدة على مر السنين، أخذنا نتبادل أطراف الحديث أنا وهي، حتى وصلنا لموضوع مسارها المهني ومكسب عيشها، حينها صرحت لي بمرتبها والذي كان يصل إلى قرابة الـ 30 ألف ريال سعودي، ذُهلت وقتها! ولكن ليس بعد الآن.

هل لك أن تفكر معي الآن لماذا تم توظيف هذه الأجنبية بهذا المرتب ذو التكلفة العالية؟ في حين أن بدائلها من السعوديات كثر ولا شك بأن مرتبهم لن يبلغ نصف مرتبها هذا في بداية السنوات على الأقل! ومن وجهة نظري قد تمتاز الممرضة السعودية على نظيراتها الأجنبيات في إتقانها للغة أهل البلد، فكثير من المرضى هم من شريحة كبار السن والذين لا يتقنون التعامل باللغة الإنجليزية، فيواجهون صعوبة في التفاهم مع الممرضات الأجنبيات، فلم كل هذا العناء؟  

ما لم أكمله في فصل هذه الأقصوصة، أن تلك الممرضة الأفريقية كانت لأمي كالصديقة في تعاملها وتوددها، والأسمى من ذلك كله أنها تتقن التعامل باحترافية تامة مع مرض الوالدة ونقلها من وإلى السرير، وأمور كثر لم نشهد في تمرسها لها مثيل! فما جواب تساؤلي في الأعلى سوى هذه الكلمات: الإنتاجية والاحترافية والإتقان والالتزام! هذا هو الفارق وهذه هي الجواهر التي يبحث عنها كل رب عمل في أي متقدم! كنت مواطنا أو مقيما، الساحة من أمامك، أثبت قدراتك فإما أن تَغلب وإما أن تُغلب!

البطالة مشكلة تأصلت في مجتمعات عدة، حلها ليس حرمان القطاعات من الخبرات الأجنبية، ولا إرغام سوق العمل على احتواء المواطن حتى لو كان لذلك ضريبة تتحمل كلفتها الدولة، البطالة حلها بين يدي وزارة التعليم قبل أن تصل إلى وزارة العمل، البطالة حلها بين أيدي أفراد المجتمع قبل أن تطرح كمعضلة بين رجالات الدولة. فإذا ما تم تأصيل وترسيخ معايير المفاضلة في شخصيات الطلبة منذ نشأتهم، لنخرج بجيل ملتزم، منتج، مسؤول، متميز على نظرائه، لا يأبه بكوادر الوافدين من شدة ثقته بقدراته، ولا ينتظر العصا السحرية (السعودة) لإنقاذه! نكون حينها وحينها فقط قد وضعنا اليد على الجرح، خاطين خطانا العلاجية الأولى لردع تفشي البطالة.

 

خاص_الفابيتا