إندماج مكاتب المحاسبة القانونية الصغيرة في السعودية .. Now is the Time

25/07/2017 1
محمود حسن

تعد الفترة الزمنية لتطور مهنة المراجعة والمحاسبة في المملكة منذ بداية ظهورها وحتى الآن قصيرة نسبيا، وبالرغم من قصر تلك الفترة إلا أن مهنة المراجعة في المملكة سواء من ناحية التنظيم او الممارسة  تعد اليوم مثالا يحتذى به نتيجة اهتمام المسئولين بها.

وقد تم اصدار مرسوم ملكي عام 1412هـ على انشاء – الهيئة السعودية للمحاسبين القانونين– كجهاز تنظيمي يعمل تحت اشراف وزارة التجارة، وهذا ما ساهم لتطور هذه المهنة بالشكل الذي نراه اليوم. 

سوق المراجعة والمحاسبة القانونية

تحدثنا في المقالة السابقة عن (مكاتب المحاسبة القانونية وإحتكار القلة) وكيف أنه هناك 129 مكتب محاسبي مرخص يملكها فرد واحد من مجموع 172 مكتب محاسبي مرخص في المملكة العربية السعودية. هذا العدد الكبير من المكاتب المحاسبية الصغيرة ليست لديها القدرة الا على إستيعاب حجم ونوعية معينة من العملاء فقط والتي تعتبر قلة قليلة جدا من الشركات الصغيرة، وبالتالي تفوت هذه المكاتب المحاسبية الصغيرة على نفسها فرصه التوسع والإستفادة من شرائح مختلفة من العملاء وتقديم باقة من الخدمات المتنوعة، وكل هذا لا يتأتى إلا بإندماج هذه المكاتب مع بعضها (مع مراعاة الإجراءات القانونية) وكذلك التنوع الجغرافي والنوعي بين المكاتب (مثلا مكتب مختص بخدمات الزكاة والضرائب، وأخرى بالشركات العائلية وأخرى بشركات المقاولات مثلا) هذا سوف يزيد عمق سوق المراجعة والمحاسبة القانونية في المملكة. 

دراسات علمية حول إندماج مكاتب المحاسبة القانونية

في دراسة علمية أعدها باحثون من جامعات صينية وتم نشرها في 2016 مجلة THE ACCOUNTING REVIEW المشهورة  بعنون “On the Benefits of Audit Market Consolidation: Evidence from Merged Audit Firms” , والتي بحثت عن إندماج المكاتب المحاسبية الصينية فيما بينها وعن تأثيرها عليهم وقد توصلت الدراسة إلى أن إندماج المكاتب الصغيرة فيما بينها سوف يؤدي إلى منافع مشتركة سؤاء للمكاتب المندمجة أو عملائهم من خلال زيادة الكفاءة بنسبة (15%) بلإضافة إلى زيادة أيضا في جودة المراجعة المقدمة.

هذه الإندماجات سوف تحقق لهذه المكاتب الإستفادة من إقتصاديات الحجم, بناء أسم (براند) في السوق, زيادة التنافسية مع المكاتب القليلة التي تحتكر سوق الشركات والمؤسسات الكبيرة والتي ليس لديها فروع دولية. 

أما ماهية الفوائد التي سوف يجنيها عملاء هذه المكاتب الصغيرة من إندماج مكاتبهم المحاسبية مع بعض، فهو زيادة في جودة المراجعة المقدمة لهم وكذلك إنخفاض لتكلفتهم التمويلية، وهذا هو ما توصلت إليه دراسة أخرى أمريكية بعنوان "  “Auditor size, tenure, and bank loan pricing، والتي درست عدد كبير من معلومات القروض البنكية الامريكية لفترة مابين 1996 إلى 2008، وتوصلت إلى أن هناك علاقة عكسية بين حجم مكتب المراجعة ونسبة الفائدة الممنوحة للشركة التي تمت مراجعتها، بمعني كلما كان حجم المكتب الذي راجع للشركة كبير كلما قل نسبة الفائدة بشكل كبير جدا.

أيضا دراسة أخرى تم عملها للشركات التايوانية توصلت لنفس النتيجة وهي بعنوان “The Effects of Audit Quality on Loan Interest Rates for Small and Medium-Sized Enterprises in Taiwan”

وبالتالي أصبحت مسـألة الإندماج بين المكاتب المحاسبية الصغيرة ذات فوائد جمة سواء للمكاتب نفسها أو لعملائها.

إذا لماذا لم يتم الاندماج بين هذه المكاتب الصغيرة في المملكة منذ زمن؟

هناك إشكالات قانونية في مسألة الهيكل القانوني لهذه المكاتب والتي تقع تحت نطاق نظام الشركات المهنية, هذا النظام والذي صدر عام 1991، لم يتضمن بنود تشجع على الإندماج وتأسيس كيانات كبيرة، بل كان يركز علي المكاتب الفردية بصفه خاصة (سواء مكاتب المحاماة، الإستشارات أو المحاسبية).

ولذلك أصدرت وزراة التجارة مشروع تحديث لنظام الشركات المهنية في عام 2015 من أجل تمكين الشركات المهنية السعودية من النمو والمنافسة والإضطلاع بدور أكبر في الأقتصاد الوطني.

وأما التغيرات الجوهرية لهذا المشروع هو السماح للشركات المهنية بأن تمارس أكثر من مهنة حرة واحدة .(النظام السابق كان لا يسمح بذلك نظرا لتركزه على النشاط الفردي كما أسلفنا)، السماح على تأسيس شركة مهنية تأخذ شكل التوصية البسيطة أو ذات المسؤولية المحدودة أو الشركة المساهمة المقفلة وغيرها من الخيارات الأخرى والتي لم تكن موجودة في النظام السابق. 

مخاطر الإندماج

رغم كل هذا الزخم والحماس للإندماج، يجب أن لا ننسي أن عمليات الإندماج هي من العمليات ذات المخاطر العالية وحسب دراسة قامت بها مجلة هارفرد بزنس ريفيو ذكرت أن نسبة فشل عمليات الإندماجات والإستحواذات هي   “The Big Idea: The New M&A Playbook”مابين 70% و 90%   

وهي بلا شك نسبة عالية جدا، وذلك بسبب المبالغة في تقدير العوائد المتوقعة من الإندماج وكذلك الفشل في ربط المنشأتين مع بعض واختلافات الثقافة المؤسساتية بين المكتبين أو الشركتين.

أيضا لا ننسى المخاطر المالية المترتبة على دخول الشركاء الجدد فكما نصت المادة الثانية والعشرون من نظام الشركات المهنية "يسأل الشركاء مسئولية شخصية وعلى وجه التضامن في مواجهة الغير عن ديون الشركة".

الخاتمة

كما أسلفنا فأنه حين تتطلع شركة (مكتب مهني) إلى تحقيق توسع ونمو لأعمالها، فإن قرار الإندماج مع شركة أخرى يبدو منهجية صائبة اذا توفرت بعد توفيق الله شروط النجاح (خلق قيمة مضافة بسبب التنوع الجغرافي، التخصصي أو قاعدة العملاء)، كذلك إذا تم إدارة مخاطر الاندماج بشكل فعال (مثلا الحصول على التأمين ضد المسؤولية المهنية (الأخطاء والسهو)، عمل دراسات جادة ومتحفظة حول توقعات النمو والتدفقات النقدية وغيرها من المؤشرات).

خاص_الفابيتا