إستكمالأ للمقالة السابقة (تحليل لسوق مكاتب المحاسبة القانونية في السعودية 2016) والتي أشارت فيها إلى إستحواذ 7 مكاتب محاسبية فقط على 81% من الشركات المدرجة في السوق السعودي، وتسألنا إن كان هذه الظاهرة محلية أم هي أيضا دولية؟
لننظر إلى السوق الأوروبية :
نجد أن أكبر 8 مكاتب تسطير على 77% من السوق وبالتالي هي أيضا لديها إحتكار القلة. ماذا عن السوق الامريكية ؟
أيضا نجد أن أكبر 10 مكاتب تسيطر على 61% تقريبا من السوق، إذا نحن امام ظاهرة عالمية تشهدها معظم الأسواق وهي إحتكار القلة لسوق المحاسبة القانونية (1). إذا قد يتسائل البعض لماذا تحتكر القلة هذه السوق؟ وكيف قبلت هذه الدول المتقدمة والتي تنبذ الإحتكار بأن تسيطر قلة من المكاتب المحاسبية على السوق؟
(مكتب المراقبة الحكومية ) عمل بحث من هذه التساؤلات أثارها أعضاء الكونغرس الأمريكي عام 2003 وطلب من أجل دراسة تأثير إحتكار القلة (2). أشارت هذه الدراسة إلي أنه بسبب طبيعة المهنة وأرتباطها في الشركات فإنها تطورت مع تطور هذه الشركات وظهور مايسمى بالشركات عابرة القارات والتي أصبح لازما على المكاتب المحاسبية أن تتعاون فيما بينها من أجل التدقيق على هذه الشركات الدولية وبالتالي ظهر من هذه الحاجة فكرة إنشاء شبكات محاسبية دولية وسلسلة إندماجات أدت في نهاية 1980 للوصول إلى 8 مكاتب محاسبية كبرى عالمية ومن ثم إلى الأربعة الكبار المعروفه اليوم (أنظر الشكل أدناه).
إذا العوامل الرئيسية التي أدت إلى هذا التركز والإندماجات بين المكاتب المحاسبية هي العولمة وظهور شركات عابرة القارات مثل كوكاكولا، بروكتر أند قامبل، البنوك الكبيرة، شركات النفط وغيرها من الشركات. أيضا الحاجة للإستفادة من مايسمي "إقتصادات الحجم"-(الإستفادة من إنخفاض متوسط التكلفة الكلية في الأجل الطويل بسبب ارتفع حجم الإنتاج أو الأعمال).وكذلك الخبرات والمهارات المشتركة وبالتالي هذا أدى إلى إنخفاض التكلفة على الشركات وأيضا تحسن في مستوى جودة المراجعة وهو ما سمح بقبول فكرة إحتكار القلة من دول العالم.
مالذي يعنيه هذا كله لقطاع المحاسبة القانونية في المملكة ؟
من الواضح أن المنافسة للحصول علي حصة من كعكة الشركات الكبيرة هي محصورة في المكاتب السبعة الكبار (أنظر للمقالة السابقة) وبالتالي بقية المكاتب والتي تشكل 96% من المكاتب المحاسبية المرخصة وهي السواد الأعظم من هذه المكاتب تتنافس فيما بينها في الشركات المتوسطة (المحلية-ليس لها نشاطات دولية) والصغيرة.
أين المشكلة ؟
الإشكالية من وجهة نظري أنه هناك ترند عالمي نحو الإندماج بين مكاتب المحاسبية القانونية نظرا للفوائد المذكورة آنفا، وعلى العكس لدينا عدد كبير من المكاتب المحاسبية المرخصة والتي يملكها فرد واحد (لا يوجد شريك). عدد المكاتب التي يملكها فرد واحد من مجموع المكاتب المحاسبية المرخصة في المملكة هي 129 مكتب من مجموع 172 مكتب محاسبي مرخص بمعني 75% من المكاتب المرخصة هي مكاتب صغيرة يملكها فرد واحد وإذا أضفت المكاتب التي لديها فقط شريكيين لزادت هذه النسبة بكثير (3).
وعلى الرغم أنه هناك زخم كبير قادم لهذه المهنة بسبب الإصلاحات الجوهرية والمهمة التي يقودها ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان يحفظه الله والتي يسعي من خلالها إلى جعل المملكة قوة إستثمارية رائدة بإذن الله. هذا التحول الإقتصادي سوف يؤدي على الإعتماد أكثر على القطاع الخاص والتي بنموها وتطورها تنمو معها الدولة.
أيضا تتجه معظم دول المنطقة إلى تطبيق ضرائب جديدة والتي بدورها سوف تخلق زخم على مكاتب المحاسبة القانونية بسبب الطلب الكبير المتوفع للخدمات الخاصة بالضريبة والزكاة وأيضا مسك الدفاتر والتدقيق المحاسبي، وهذا سوف يدفع بهذه المكاتب المحاسبية الصغيرة والتي تمثل 75% من المكاتب المرخصه أن تنظر في مستقبلها وكيف لها أن تستفيد من وضع السوق والإقتصاد.
إذن كيف تسفيد هذه المكاتب المحاسبية من الوضع الإقتصادي الحالي والقادم هو ما سوف نتطرق له في المقالة القادمة بأذن الله.
خاص_الفابيتا
مقال جميل مكاتب المحاسبة القانونية وإحتكار القلة