كنت قد تطرقت في مقالة سابقة مكونة من حلقتين بعنوان "موافقة هيئة الاتصالات مع موافقة مجلس المنافسة لصفقات الاندماج والاستحواذ " إلى إشكالية وجود متطلب نظامي في إلزام الاندماجات والاستحواذات بالحصول على الموافقة المسبقة من هيئة الاتصالات ومجلس المنافسة السعودي قبل إتمام اندماجات واستحواذات معينة. في هذه المقالة أستعرض إشكالا نظاميا آخر نتج عن تنظيم مسألة أو مجال معين من خلال نظامين مختلفين؛ هما نظام هيئة الاتصالات ونظام «المنافسة».
من المبادئ المستقرة في القانون مبدأ عدم جواز ازدواجية العقوبة على الواقعة نفسها أو المخالفة، فلو قام مثلا شخص بارتكاب مخالفة ما فلا يجوز معاقبته أكثر من مرة على المخالفة نفسها، وربما يمكننا أن نعتبر هذا من مقتضيات العدالة أن يعاقب المخالف على مخالفته عقوبة واحدة، فإن تكررت منه أو لم يقم بالتوقف عن ارتكاب المخالفة، فإنه في هذه الحالة عند معاقبته على الاستمرار هي عقوبة على مخالفة ثانية وهي الاستمرار أو تكرار المخالفة.
صدر نظام الاتصالات السعودي عام 1422هـ وحوى في مواده تنظيم المسائل المنافسة في سوق الاتصالات بمواد كما لو كان هو نظام المنافسة السعودي الذي ولد عام 1425هـ أي بعد سنتين لاحقتين. جاء نظام المنافسة لكي ينظم مسائل المنافسة كلها ويكون هو النظام الشمولي المهيمن على كل ما يتعلق بالمنافسة المشروعة في السعودية. الذي حدث أن نظام المنافسة السعودي جاء ولم يقم بإلغاء أو التعامل مع ما صدر من قبله من قواعد تنظم أي مسألة تتعلق بالمنافسة. ونتج عن ذلك أن مخالفة نظام الاتصالات السعودي في مسائل تتعلق بالمنافسة ينتج عنها خضوع المخالف للمادتين 24 و26 وصدور قرار بشأنه من قبل قرار لجنة النظر في مخالفات نظام الاتصالات.
إضافة لذلك سيكون بإمكان مجلس المنافسة كذلك التحقيق مع المخالف وإحالته للجنة النظر في مخالفات نظام المنافسة التي قد تصدر عقوبة على المخالفة نفسها. وكلا قراري اللجنتين يعتبران قرارين إداريين وبالتالي يمكن التظلم منهما والاعتراض عليهما أمام ديوان المظالم. ولنضرب على ذلك مثالا، فلو قام اثنان من مزودي الخدمة بالاتفاق على تحديد سعر خدمة معينة في سوق الاتصالات، فإنه في هذه الحالة سيكون مزودا الخدمة معرضين للتحقيق، الذي ستنتج عنه إحالة إلى لجنة مخالفات نظام المنافسة، وحينما يثبت لديها تحقق المخالفة ستحكم بالعقوبة. إضافة لذلك سيكون مزودا الخدمة كذلك معرضين للتحقيق والإحالة للجنة النظر في مخالفات نظام الاتصالات وفي حال ثبوت المخالفة لديها ستحكم بعقوبة على المخالفة نفسها، وبالتالي ستكون لدينا عقوبتان على واقعة واحدة أو مخالفة واحدة. الرأي المثالي الذي أراه هو أن تناط أمور المنافسة كاملها بمجلس المنافسة وعليه تلغى مواد نظام الاتصالات المتعلقة بالمنافسة.
أما الخيار الثاني هو أن يتم تفصيل وحل هذه الإشكالية عن طريق تحديد المسؤول عن التحقيق ومن المسؤول عن الحكم بالعقوبة، والخيار الثالث أن تكون المخالفة فيما يتعلق بالمنافسة في سوق الاتصالات خاضعة فقط لنظام الاتصالات. وإن كنت قد رتبت الحلول حسب أهميتها عندي لكن أي من الحلول الثلاثة هو أفضل من ازدواج المواد بين النظامين وبالتالي ازدواج العقوبة على فعل أو مخالفة واحدة.
نقلا عن الاقتصادية
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع