أثبتت العديد من الدراسات التطبيقية التي اهتمت بدراسة العلاقة والترابط المتين بين أسواق الأوراق المالية والنمو الاقتصادي أن أسواق الأوراق المالية تساهم مساهمة فاعلة وجلية وتقوم بدفع عجلة التنمية الاقتصادية.
في هذا المقال أتناول وجهاً من وجوه هذا الترابط بين أسواق الأوراق المالية والاقتصاد، حيث أتطرق إلى ما أعلن عنه مؤخراً في 21 يونيو من قيام مورغان ستانلي في نيويورك بإدراج سوق الأوراق المالية السعودي على قائمة المراقبة في مؤشر MSCI كخطوة تحضيرية لانضمامه للمؤشر بشكل كامل، ومدلولات تزامن هذا الإعلان مع رؤية 2030 وما يتم من إجراءات وتغييرات كبيرة في سياق التحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد نامي.
مؤشر MSCI للأسواق الناشئة هو أحد المعايير التي تهدف لتصنيف الاقتصادات النامية التي يسعى المستثمرين للاستثمار بها.
تسعى الاقتصادات النامية حثيثا في مسيرة تقدمية للرفع من اقتصاداتها للوصول الى مصاف الدول المتقدمة. في هذا المجال وهو تصنيف الاقتصادات النامية يوجد هناك العديد من الجهات التي تقوم بتصنيف اقتصادات العالم منها صندوق النقد الدول ومؤشر مرقان ستنالي للأسواق الناشئة وستاندردز أند بورز للتصنيف. تهدف هذه الجهات الى انشاء قوائم بتصنيفات اقتصادات العالم تتيح للمستثمرين تتبع مناطق النمو والتطور الاقتصادي ذات العائد المغري للاستثمار.
يأتي إدراج سوق الأوراق المالية السعودي تداول على قائمة المراقبة لإدراجه من ضمن مؤشر MSCI للأسواق الناشئة في سياق متسق ومتناغم مع رؤية 2030، وذلك في إطار عام يهدف إلى تغيير طبيعة البنية الأساسية لاقتصاد المملكة العربية السعودية وتحويله من خلال العديد من المبادرات والبرامج التي تم الإعلان عنها وأخرى في طور الاعداد. وفي ضل هذه المرحلة الانتقالية بين اقتصاد ريعي الى اقتصاد تنمية وتطور أتى إعلان الانضمام لقائمة المراقبة.
هناك خصائص ومميزات يمتاز بها الاقتصاد النامي وتعتبر العنصر الأساسي الجاذب للاستثمار، كما ان هذه الخصائص تعد ركائز التقدم في اقتصادات الدول. من هذه الخصائص وجود حافز قوي للنمو السريع. حيث ان قادة التنمية في الاقتصادات النامية يرغبون في احداث تغييرات سريعة للتحول
لاقتصاد صناعي. وبما أن إحداث تغييرات رئيسية وربما عاجلة تهدف للتحول من اقتصاد ريعي الى اقتصاد نامي او صناعي يستلزم العديد من الاستثمارات ذات الحجم الكبير، فإن هذا يستدعي تغيير البنية الأساسية لأنظمة الاستثمار وتعديل وتطوير الهياكل التنظيمية لسوق الأوراق المالية (وهذا ما بذلت فيه هيئة سوق المال مشكورةً بقيادتها السابقة وزير المالية الحالي محمد الجدعان ورئاستها الحالية) فيما يحد من مخاطر الاستثمار وتساعد على ضمان حقوق المستثمرين وتساهم في بناء بيئة أعمال منافسة وتنافسية.
غالباً تنبع الرغبة في التغيير وخصوصا التغيير على البنية الاقتصادية من عدة عوامل؛ الكوارث الطبيعية، أو صدمة كبير في أسعار السلع العالمية، أو تغيرات في السياسة الداخلية. وما يحدث لدينا في المملكة العربية السعودية قد يكون ناتج عن تغير داخلي في السياسة، فمنذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظ الله وأيده بتوفيقه والسعودية تشهد العديد من التطورات على الصعيد الداخلي والخارجي. وبالإضافة الى ذلك فإن ما واجهته أسعار النفط في الأسواق العالمية من أزمة وانخفاضات حادة ساهم بشكل كبير في خلق وإيجاد الرغبة في التغيير على المناخ الاقتصادي وإيجاد بدائل ذات قيمة اقتصادية وعائد يكون حافزاً للتغيير.
لقد بُذِلت الجهود منقطعة النظير على كافة الأصعدة من اجل تحديد بوصلة الاقتصاد نحو التحول الى اقتصاد نمو وصناعة. وهذا بطبيعة الحال يتطلب مستوى عالي من رأس المال الاستثماري. ففي هذا الاتجاه تأتي خطة طرح جزء من أرامكو السعودية في طرح اولي عالمي، وكذلك ما تم إنجازه من قِبل وزارة المالية من إنشاء مكتب لإدارة الدين العام في المملكة العربية السعودية، حيث يهدف المكتب إلى تأمين احتياجات المملكة من التمويل بأفضل التكاليف الممكنة على المدى القصير والمتوسط والبعيد. وما يعد هذا الجهد الا جزءاً يسيرا في السعي لتوفير رأس المال الاستثماري المطلوب لإنجاز مبادرات ومشاريع التحول الاقتصادي.
وبهذا التصور الواضح عن عملية التحول الاقتصادي يمكن استقراء إدراج سواق الأوراق المالية السعودي على قائمة المراقبة الخاصة بمؤشر MSCI كبطاقة دعوة عامة لرؤوس الأموال الاستثمارية حول العالم بالتدفق إلى المملكة العربية السعودية. تدفق الاستثمارات الأجنبية لن يكون حصراً على الاستثمار في الأوراق المالية المدرجة بل والاغلب منها يستهدف إيجاد فرصة استثمارية مناسبة ذات عائد محفز في إطار اقتصاد نامي بمتوسط معدل نمو منافس عالمياً. فهذا يعني ان تدفق رؤوس الأموال الاستثمارية المتوقع يسترشد بمؤشر MSCI كاتجاه نحو اقتصاد نامي وليس مجرد سوق أوراق مالية فقط.